موقع حوارات

موقع حوارات

يعد الشيخ جاد الحق من العلماء القلائل الذين يتميزون بالتواضع والهدوء، ويؤثرون العمل الصامت على المظاهر، ويحتفون بالعلماء الصادقين، ويقربونهم من مجالسهم، ويعرفون للناس أقدارهم، وهو ذو خلق متين وإيمان عميق وعلم غزير ومواقف صلبة واعتزاز بالإسلام وحملته، من الصالحين والدعاة المخلصين وطلبة العلم من أنحاء العالم الإسلامي المهتمين بنشر الدعوة الإسلامية...

وكان صورة مشرقة للعالم العامل والفقيه المتمكن، الذي يفهم الإسلام، ويعمل به ويمثل العلماء المجتهدين والدعاة الصادقين الذين يصدعون بكلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، وكان يتوخى الدقة في أحكامه، والحكمة في تصرفاته، ومعالجة الأخطاء التي يقع فيها عامة المسلمين، أو أصحاب القرار لمسؤولين، وذلك بإعلان وجه الصواب وفق الفهم الإسلامي الصحيح المستقى من الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة، وقد رزقه الله قوة الشخصية ونصاعة البيان، وأدب الخطاب، فضلًا عن الوقار الذي يتمتع به، والهيبة التي يراها فيه من يخالطه دون تكلف. وكان ودودًا عطوفًا، لين الجانب، سهل المعاملة، واسع الصدر، حريص على إيصال الخير للناس، وفي الوقت نفسه هو رجل بكل ما تحمل الرجولة من معنى، أمام المنحرفين وأدعياء العلم من المرتزقة المتاجرين بالدين والسائرين في ركاب السلاطين فكان كالأسد عندما تنتهك حرمات الله، فيغضب غضبًا شديدًا، حتى يرد الكيد إلى نحور الأعداء ومن والاهم، ولذلك سجل اسمه في صفحات التاريخ المضيء لهذه الأمة ولعلماء الأزهر الشريف الذين كانوا أمل كل نهضة ومبعث كل خير لهذا الدين.

 

من الميلاد حتى مشيخة الأزهر

ولد جاد الحق علي جاد الحق يوم الخميس 13من جمادي الآخرة عام 1335 هـ الموافق الخامس من أبريل عام 1917م  ببلدة بطرة مركز طلخا بمحافظة الدقهلية، ونشأ نشأة دينية خالصة في أسرة كريمة، حيث كان والده رجلًا صالحًا معروفًا بالأمانة وحملها، فكان أهالي القرية يودعون لديه أشياءهم الثمينة، خوفًا عليها من الضياع، وقد أثرت هذه النشأة الصالحة عليه، حيث حفظ القرآن الكريم، وأجاد القراءة والكتابة في سن مبكرةٍ جدًا في كتاب القرية علي يد شيخها الراحل سيد البهنساوي، ثم التحق جاد بالتعليم الإعدادي بالمعهد الأزهري الأحمدي بمدينة طنطا عام 1930، حيث حصل علي الابتدائية الأزهرية عام 1934 والثانوية الأزهرية عام 1939م. ثم التحق بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، وحصل منها علي الشهادة العالمية عام 1944، ثم حصل علي الإجازة في القضاء الشرعي عام 1945.

عين الشيخ فور تخرجه موظفًا قضائيًا بالمحاكم الشرعية في يناير 1946، ثم أمينًا للفتوي بدار الإفتاء عام 1953 فقاضيًا بالمحاكم الشرعية عام 1954، وفي عام 1956 عين قاضيًا بالمحاكم بعد إلغاء ثورة يوليو للمحاكم الشرعية، ثم رئيسًا للمحكمة عام 1971م، وظلَّ يعمل بالقضاء، ويترقى في مناصبه حتى عُين مستشارًا بمحاكم الاستئناف في سنة (1396هـ = 1976م).

 

وفي (رمضان 1398هـ = أغسطس 1978م) عين مفتيًا للديار المصرية، فعمل على تنشيط الدار، والمحافظة على تراثها الفقهي، فعمل على اختيار الفتاوى ذات المبادئ الفقهية، وجمعها من سجلات دار الإفتاء المصرية، ونشرها في مجلدات بلغت عشرين مجلدًا، وهي ثروة فقهية ثمينة؛ لأنها تمثل القضايا المعاصرة التي تشغل بال الأمة في فترة معينة من تاريخها، وفي الوقت نفسه تستند إلى المصادر والأصول التي تستمد منها الأحكام الشرعية.

وتشمل اختيارات الفتاوى ما صدر عن دار الإفتاء في الفترة من سنة (1313هـ = 1895م) حتى سنة (1403 هـ = 1982م)، وضمت المجلدات الثامن والتاسع والعاشر من سلسلة الفتاوى اختيارات من أحكامه وفتاواه، وتبلغ نحو 1328 فتوى في الفترة التي قضاها مفتيًا للديار المصرية.

بعد توليه منصب الإفتاء بعامين اختير عضوًا بمجمع البحوث الإسلامية، وفي الرابع من يناير عام 1982م عين وزيرًا للأوقاف المصرية وبعدها بشهرين، وفي (13 من جمادى الأولى 1402 هـ = 17 من مارس 1982م)، عين شيخًا للأزهر ليصبح الإمام الثاني والأربعين للأزهر، وبدأت فترة زاهية من فترات تاريخ الأزهر؛ سواء فيما يتصل بمؤسسة الأزهر، أم بدورها باعتبارها القائمة على الفكر الإسلامي والتعليم الديني في مصر، ومحط أنظار الناس، ومعقد أمانيهم. وكان لاشتغال الشيخ جاد الحق بالقضاء منذ وقت مبكر أثره البالغ في قيادته الأزهر، فهو فقهيه قاض يعتمد على الدراسة المتأنية والنظر العميق، والبعد عن الهوى، ومن ثم كانت قراراته صائبة، هادئة، بعيدة عن العاطفة المشبوهة والانفعال المؤقت، وتهدف إلى الصالح العالم.

 

نهضة المعاهد الأزهرية

شهد الأزهر الشريف في عهد الشيخ جاد الحق نهضة كبيرة ... فقد انتشرت المعاهد الأزهرية في كل قري ومدن مصر، كما لم تنتشر من قبل منذ عهد الشيخ عبد الحليم محمود في السبعينيات من القرن الميلادي الماضي. فحين تولي الشيخ جاد مشيخة الأزهر عام 1982م كان عدد المعاهد الأزهرية لا يزيد على ستمائة معهد، فبلغت عدد تلك المعاهد في عهده ستة آلاف معهد وبضع مئات، فقد زرع الشيخ المعاهد الأزهرية في قري مصر، كما تزرع النخيل في الصحراء. ولم يقف جهده على نشر المعاهد الأزهرية في مصر، بل حرص على انتشارها في شتي بقاع العالم الإسلامي، فأنشأ معاهد أزهرية تخضع لإشراف الأزهر في تنزانيا وكينيا والصومال وجنوب أفريقيا وتشاد ونيجيريا والمالاديف وجزر القمر ... وغيرها من البلدان الإسلامية. كما فتح باب الأزهر واسعًا أمام الطلاب الوافدين من الوطن الإسلامي وخارجه، وزاد من المنح الدراسية لهم حتى يعودوا لأوطانهم دعاة للإسلام. ونجح في فتح فروع لجامعة الأزهر في جميع أنحاء مصر وعقدت الجامعة في عهده لأول مرة مؤتمرات دولية في قضايا طبية وزراعية وثقافية مهمة تحدد رأي الأزهر والإسلام فيها.

وعندما أصيبت مصر بزلزال أكتوبر عام 1992م وتهدم أكثر من 1500 معهد وتخلت الدولة عن تقديم الأموال الكافية لترميم تلك المعاهد، بينما أنفقت مليارات الجنيهات على إنشاء مدارس حكومية عامة لم ييأس الشيخ وأخذ يجوب قرى ومدن مصر لحث رجال الخير والمحسنين على التبرع بالمال لترميم تلك المعاهد وبناء معاهد جديدة وبفضل الله هرع أهل الخير ولبوا دعوته فكانت النتائج مشرفة.

 

مواقف جريئة وخالدة

لم يكن شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق خطيبًا مفوهًا، لكنه كان باحثًا دقيقًا، ترك مئات الفتاوى الشرعية القيمة في مختلف المجالات، وكان معروفًا بدقة ألفاظه، وقلة عباراته، وبراعته في الخروج من المواقف الصعبة عن طريق التعميم، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالمسؤولين الكبار، مما أدى إلى إكبار العامة له فضلًا عن الخاصة... كان موقفه من العدو الصهيوني واضحًا لا مجال فيه للمجاملات، وكانت عبارات السخرية القاتلة التي يطلقها على أمريكا والمسؤولين فيها، ودورهم في إشاعة الظلم ومناصرة المعتدين، تزيد من مكانته ومكانة الأزهر في نفوس أبناء الأمة.

ففي سبتمبر عام 1988م تم اختيار الشيخ جاد الحق رئيسًا للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة.، فكان نصيرًا للأقليات المسلمة المستضعفة في العالم، وكان في حواراته الصحفية وبياناته المتكررة في كل المناسبات الدينية ينبه إلى خطورة التحديات التي تواجه الأقليات المسلمة في العالم، وكان يؤكد دائمًا أن الأخوة الإسلامية تقتضي مؤازرة هؤلاء المستضعفين، والسعي لحماية حقوقهم، والحفاظ على حياتهم وأموالهم. وكان -يرحمه الله- عندما نشبت حرب إبادة المسلمين في البوسنة أول من أعلن أن تلك الحرب صليبية في المقام الأول وهدفها إبادة المسلمين في البوسنة. وكان أول من دعا لعقد مؤتمر إسلامي في الجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة لمناصرة شعب البوسنة والهرسك، ونجح الإمام الجليل من خلال منصبه كرئيس للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة وتأييده التام لحملة لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة الأطباء بمصر في أن يجمع ملايين الدولارات تم إرسالها للمجاهدين في البوسنة.

ومما قاله: "إن الأقليات الإسلامية تتعرض لمحن قاتلة، فهي مستضعفة في أوطانها، مطرودة من ديارها ومساجدها ومدارسها، مهددة بالتدمير، كما يحدث في الهند وكشمير وبورما وبعض دول أوروبا دون ردع أو حماية من حكومات تلك البلاد، وكأن هؤلاء الأقليات المسلمة ليسوا من المواطنين، لهم حقوق على تلك الحكومات".

كما أوفد وفدًا من علماء الأزهر برئاسة الشيخ جمال قطب (رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف الأسبق) إلى البوسنة ليستقصي أحوال المسلمين هناك، ويحث المجاهدين من شعب البوسنة على مواصلة الجهاد، وعدم التنازل عن شبر واحد من أراضيهم، وكان له موقف شجاع في مناصرة المجاهدين في الشيشان، وقدم لهم الدعم المالي والمعنوي، وأصدر بيانًا حول تلك الحرب، حيث أكد أنه لولا تمسك شعب الشيشان بإسلامهم لما حاربهم الدب الروسي. وقدم العديد من المنح الدراسية المجانية لأبناء البلدان الإسلامية المستضعفة، حتى يعودوا إلى أوطانهم دعاة للإسلام، وذلك من خلال الدراسة في الأزهر الشريف.

 

قضية القدس

كانت قضية القدس تشغل حيزًا كبيرًا من عقل الشيخ وقلبه، وعندما قرر الكونجرس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أصدر الشيخ بيانًا صريحًا واضحًا، قال فيه: "إن أمريكا تزعم أنها صديقة كل العرب، وهي أصدق في صداقتها لإسرائيل، تؤيدها وتدفعها إلى المزيد من العدوان على العرب وحقوقهم، وتساعدها على وضع العراقيل نحو إتمام عملية السلام التي تتظاهر بدعمها، لكنه دعم غير عادل، فهو دعم للمعتدين الظالمين، واستهانة، وهدم لقرارات منظمة الأمم المتحدة، إن الأزهر الشريف يرفض هذا القرار الظالم من أمريكا التي تسعى إلى إتمام عملية السلام، ولكن هذا القرار أكد أن دعاة السلام صاروا دعاة الغدر والاغتيال للأرض والعرض والمقدسات، لا يرعون حقًا للغير، ولا يدعون إلى خير، وإنما يسعون في الأرض فسادًا".

ورفض الشيخ سياسة التطبيع مع «إسرائيل» طالمًا استمرت في عدوانها واغتصابها للأرض العربية، ومن أقواله في ذلك: "لا سلام مع المغتصبين اليهود، ولا سلام إلا بتحرير الأرض العربية، ورفض الشيخ زيارة المسلمين للقدس، وأعلنها الشيخ بعزة المؤمن الذي لا يخشى إلا الله: إن من يذهب إلى القدس من المسلمين آثم آثم، والأولى بالمسلمين أن ينأوا عن التوجه إلى القدس حتى تتطهر من دنس المغتصبين اليهود وتعود إلى أهلها مطمئنة، يرتفع فيها ذكر الله والنداء إلى الصلوات، وعلى كل مسلم أن يعمل بكل جهده من أجل تحرير القدس ومسجدها الأسير".

وقد سبق وأيد الشيخ الانتفاضة الإسلامية المباركة والعمليات الاستشهادية للمجاهدين الفلسطينيين، مؤكدًا أن تحرير القدس لن يتم إلا بالجهاد والاستشهاد في سبيل الله.

ورفض الشيخ ما تردد عن حصول «إسرائيل» على مياه النيل من خلال مشروع ترعة السلام، وقال مقولته الشهيرة: "إن حصول إسرائيل على مياه النيل أصعب من امتلاكها سطح القمر"، وعن الأسرى المصريين الذين قتلتهم «إسرائيل» عمدًا إبان حرب يونيو 1967م وأثارتها الصحافة المصرية، قال -يرحمه الله-: "القتل العمد ضد أسرانا يستحق القصاص".

 

رفض وثيقة مؤتمر السكان

لقد أُريد من القاهرة الإسلامية أن تصدر قرارات تناقض تعاليم الإسلام والأديان السماوية، وتعتدي على عفاف البشر وكرامة الإنسان، حيث تناقلت وسائل الإعلام المختلفة، قبيل انعقاد مؤتمر السكان الذي يتضمن إباحة الشذوذ الجنسي بين الجنسين، وإباحة الزنا، وإباحة حمل الصغيرات العذارى، وإباحة إجهاض الزوجات الشرعيات الحرائر، وفور علم الشيخ؛ أمر الشيخ العلماء والمختصين داخل الأزهر الشريف وخارجه بقراءة الوثيقة جيدًا، ودراسة ما فيها، وتقديم تقارير عنها، ثم اجتمع بمجمع البحوث الإسلامية، وأصدر بيانًا شديد اللهجة والصراحة برفض وثيقة المؤتمر، وأكد البيان أن الإسلام لا يقر أية علاقة جنسية خارج إطار الزواج الشرعي الذي يقوم بين الرجل والمرأة، كما يحرّم الإسلام الزنا واللواط والشذوذ، ويحرّم إجهاض الجنين ولو جاء عن طريق الزنا، وأهاب البيان بالأمة الإسلامية عدم الالتزام بأي بند أو فقرة تخالف شريعة الله.

كما تصدى الشيخ لقرار وزير التعليم المصري آنذاك بمنع الحجاب في المدارس الابتدائية المصرية، وضرورة موافقة ولي أمر الطالبة في المرحلة الإعدادية والثانوية على ارتداء ابنته الحجاب، وأصدرت لجنة الفتوى بالأزهر بيانًا أعلنت فيه أن القرار الوزاري يخالف الشريعة الإسلامية ونصوص الدستور، واستند المحامون المصريون إلى هذه الفتوى أمام المحاكم ضد الوزير المصري، حتى تم إلغاء القرار.

كما أفتى الشيخ بحرمة الربا فقال:

"إن الإسلام حرم الربا بنوعيه: ربا الزيادة وربا النسيئة، وهذا التحريم ثابت قطعًا بنص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وبإجماع أئمة المسلمين، منذ صدور الإسلام حتى الآن، ولما كان الوصف القانوني لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة، وكانت نصوص الشريعة في القرآن والسنة تقضي بأن الفائدة المحددة مقدمًا من باب ربا الزيادة المحرم، فإن فوائد تلك الشهادات، وكذلك فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة تدخل في نطاق ربا الزيادة، ولا يحل الانتفاع بها، أما ما يُقال بأن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولي الأمر، فإن هذا النظر غير وارد، بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدمًا، ولا سيما وقد وُصف بأنه فائدة بواقع كذا في المائة".

كان للشيخ جاد الحق مواقف جريئة وشجاعة في الكثير من القضايا والمشكلات المحلية والدولية، تمسك فيها بموقف الإسلام، انطلاقًا من رسالته كشيخ للأزهر وإمام للمسلمين.

 

موقفه من التطرف

هال الإمام جاد الحق أن يتخذ نفر من الكُتّاب من تطرف بعض الشباب ذريعة للهجوم على الإسلام ومبادئه دون وازع من ضمير أو تسلح بثقافة وعلم، فانطلق قلمه يصدع بالحق ويفضح سموم بعض الكتبة بقوله: "وقد أفرغت الحرية من مفهومها الصحيح، حتى صارت الدعوة إلى الفساد حرية، وصار الطعن في الإسلام وصلاحيته حرية، ثم صارت المسارعة إلى توزيع الاتهامات على الناس أسبق من نتائج التحقيق التي تقوم بها الجماعة المختصة". وحين أعلنت بعض الصحف عن مسابقة لاختيار ملكة النيل، فزع من تطرف بعض المترفين وانسياقهم وراء الهوى والضلال، وكتب مقالة في غاية القوة والبيان بعنوان "أوقفوا هذا العبث باسم وفاء النيل"، وعدّ هذا التصرف الطائش عودة إلى سوق النخاسة والرقيق الأبيض، وَرِدّة إلى الجاهلية العمياء، لا يُفرَّق فيها بين الحلال والحرام.

 

مؤلفاته وتراثه الفكري

ترك الشيخ جاد الحق تراثًا علميا زاخرا، تنوع بين مقالات وفتاوى وكتب، منها:

1 ـ مع القرآن الكريم.

2 ـ النبي في القرآن الكريم.

3 ـ الفقه الإسلامي... مرونته وتطوره.

4 ـ أحكام الشريعة الإسلامية في مسائل طبية عن الأمراض النسائية.

5 ـ هذا بيان للناس.

6 ـ رسالة في الاجتهاد وشروطه، ونطاقه، والتقليد، والتخريج.

7 ـ رسالة في القضاء في الإسلام.

8 ـ وصدر له من خلال الأزهر الشريف خمسة مجلدات من فتاويه، جمعت في حياته بعنوان: بحوث وفتاوى إسلامية في قضايا معاصرة، وقد أعدها الشيخ جاد الحق في 11 جزءً، ولم يصدر منها سوى خمسة أجزاء فقط، وامتنع الأزهر بعد وفاة الشيخ الراحل عن إصدار الباقي وطبعه.

وفي مايو 2013، أهدت أرملة الشيخ جاد الحق مكتبته الخاصة إلى الأزهر، وقالت إنها تهدي المكتبة بما تحويه من كتب نفيسة وذخائر تراثية قيمة إلى مكتبة الأزهر حتى يستفيد منها طلاب العلم الذين يأتون إليه من مختلف بلاد العالم.

 

الأوسمة والجوائز

حصل الشيخ جاد الحق علي جاد الحق على وشاح النيل عام 1983، ونال وسام الكفاءة الفكرية من المغرب، كما منحته السعودية جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام عام 1995.

 

قالوا عنه

يقول عنه الدكتور يوسف القرضاوي: "الحق أن الرجل قدّر جلالة المنصب الذي تبوأه من قبله رجال كبار أمثال المراغي، وعبد الحليم محمود، وعبد المجيد سليم، والخضر حسين، وشلتوت، فلم ينزلق بالأزهر إلى الفتاوى التي زلت فيها أقدام آخرين، وحافظ على كرامة الأزهر ومجمع بحوثه، الذي يمثل السلطة العليا للفتوى في الشؤون الإسلامية في مصر. وكان متعاونًا مع العاملين في الحقل الإسلامي، واقفًا كالصخرة الصماء في وجه العلمانيين والمتغربين الذين يريدون أن يسلخوا الأمة من جلدها، وأن يبعدوها عن شريعة ربها، فلم تلن قناته في مواجهتهم وتحدي أباطليهم. لقد كان الشيخ جاد الحق صادقًا مع نفسه، صادقًا -قبل ذلك كله- مع ربه، فلم يبال برضا الناس فيما يعتقد أنه الحق. وقد كان رجلًا مهذبًا، صاحب خلق وفضل، تطاول عليه بعض الناس وهاجموه، فقابلهم بالصمت والتعفف ودفع السيئة بالحسنة، فالحياة أغلى من أن تضيع في المهاترات. وكانت عقليته عقلية القاضي الذي ينظر إلى الأمور بهدوء واتزان، دون غضب وانفعال، ثم يحكم بما يراه أدنى إلى الصواب. ولقد اتسع الأزهر في عهده، معاهد وكليات، إتمامًا وامتدادًا لما قام به الرجل الصالح الشيخ عبد الحليم محمود غفر الله له، كما رأس الشيخ جاد الحق المجلس الإسلامي الأعلى للدعوة والإغاثة".

ويقول الدكتور محمد رجب البيومي: "لقد كان مجاهدًا عمليًا يصدع بكلمة الحق في ميدانها الأصيل، تاركًا جزاء كفاحه لربه وحده، جهر في مصر أثناء حرب الأفغان للروس المغتصبين، واستقبل زعيم المجاهدين ليعلن وقوف المسلمين مع إخوانهم، مناديًا بوجوب التبرع بالمال والدم".

 

وفاته

توفي الشيخ جاد الحق قبيل فجر الجمعة 25 من شوال 1416هـ، الموافق 15من مارس 1996م عن عمر يناهز التاسعة والسبعين، بعد أن فرغ يرحمه الله من مراجعة أوراق الأزهر، وبريد الجهات الرسمية الأزهرية، والبريد الوارد إلى مكتبه من أنحاء العالم المختلفة، وقد مات -يرحمه الله- ومشاكل الأمة في صدره وأوراق الأزهر في يده يقلب فيها، ومات متوضئًا وهو يشرع لأداء الصلاة في الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم الجمعة، حيث شعر بدوار مفاجئ فجلس على سريره ليستريح، ولكنه فارق الحياة بعد لحظات، وكانت وصيته أن يشهد غسله ويؤم صلاة الجنازة عليه الشيخ محمد متولي الشعراوي، وتم تنفيذ وصية الشيخ، حيث صلي الجنازة عليه الشيخ الشعراوي الذي نعاه بقوله: "لقد تعلمنا منه ألا نعصرن الدين، بل نُديِّن العصر، فعصرنة الدين تعني أنه غير كامل حاشا لله ...".

رحم الله الشيخ جاد الحق وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير ما يجزي العلماء العاملين والرجال الصالحين المخلصين.

_________

المصدر:

جاد الحق علي جاد الحق...مواقف في الدفاع عن الإسلام، حساب: محمد سيد بركة، فيسبوك، https://2u.pw/oVCBrKE6 .. بتصرف وإضافة من المصدرين الآتيين:

- جاد الحق.. شيخ الأزهر المناهض للتطبيع، الجزيرة نت، 21 سبتمبر 2016، https://2u.pw/yUEFkYNT

- جاد الحق علي جاد الحق، موسوعة المعرفة، https://2u.pw/WWI9jdkC

الدروع البشرية

تموز/يوليو 17, 2024

الدرع في اللغة سلاحٌ يَدفع به المقاتل ضربات العدو، وهي قطعة من الحديد تُمسك من وسطها باليد، وتُدفع بها النصال. وقد سميت الدروع البشرية كذلك لأنها تقوم بدور الدرع التقليدية في حماية صاحبها، لكن الفرق شاسع من الناحية الأخلاقية؛ فالدرع التقليدية لها من المناعة ما يَرد ضربة العدو ويَتكسر عليه سيفه، أما الدرع البشرية فالمانع من ضربها أخلاقي صرف.

والدروع البشرية مصطلح عسكري قانوني يعني استخدام مجموعة من الناس -مدنيين أو عسكريين- بهدف حماية منشآت حساسة في وقت الحرب (مراكز عسكرية، أو منشآت إستراتيجية، أو سدود، أو جسور…)، وذلك بنشرهم حولها لوضع العدو أمام حرج أخلاقي يمنعه من استهداف المنشآت المراد حمايتها. قد يأخذ الدرع البشري أشكالا أخرى، منها -مثلا- وضع رهائن أمام قوات متقدمة لمنع العدو من التصدي لها، كما يُصنف في خانة الدروع البشرية تخزين أسلحة ومعدات وتمركز وحدات عسكرية مقاتلة في مناطق مأهولة بالمدنيين.

ويعرفه القانون الدولي بـ"وضع الأعيان العسكرية (المقاتلين أو العتاد) والمدنيّين في الموقع نفسه بصورة متعمّدة بقصد ردع أو منع مهاجمة تلك الأعيان تحديدا". وتعني أيضًا "استخدام أشخاص يحميهم القانون الدولي الإنساني كأسرى الحرب أو المدنيين لردع هجمات على المقاتلين أو على المواقع العسكرية".

 

أنواع الدروع البشرية

قانونيا، هناك نوعان من الدروع البشرية، طوعية وغير طوعية، وينطبق التصنيف الأول على المدنيين الذين يعرضون أنفسهم للخطر لحماية أشخاص أو مواقع أو أشياء قيّمة لديهم، أما الآخر فيشمل المدنيين الذين يستخدمهم طرف محارب لحماية نفسه.

  • الدروع الطوعية:

قد يكون المشاركون في تشكيل الدرع البشرية مجبرين على ذلك، وهو ما يتناوله القانون الدولي بالحظر الصريح، لكن الدرع البشرية قد تُقام بناء على عملية تعبوية تستحث الحس الوطني المتقد أصلا في أوقات الحرب؛ ففي يوغسلافيا -مثلا- تجمع عشرات الآلاف منعا لطيران حلف شمال الأطلسي من استهداف منشآت حساسة في بلغراد أثناء حملته ضد نظام سلوبودان ميلوسيفيتش عام 1999. ومن أشكالها أيضا السلاسل التطوعية، وهي عندما تتفق جماعة من المدنيين لحماية مدنيين آخرين من استهدافهم، كما فعلت منظمة حاخامات لحقوق الإنسان عام 2003 حماية للمزارعين الفلسطينيين خلال حصادهم الزيتون من هجمات المستوطنين. وفي العراق، انتظم متطوعون قدِموا من مختلف أرجاء العالم في دروع بشرية خلال الحملة الدولية على العراق بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 1991، والتي كان هدفها طرد قواته من الكويت. كما لجأ نظام العقيد الليبي الراحل معمر القذافي إلى إقامة دروع بشرية خلال حملة فجر الأوديسا التي نفذتها قوات غربية وعربية منعا لوصول الجيش الليبي إلى بنغازي بعد تفجر ثورة 17 فبراير/شباط 2011.

  • دروع غير طوعية:

دأب الاحتلال الإسرائيلي على استخدام الفلسطينيين دروعا بشرية خلال المواجهات مع الشبان في نوبات التوتر والانتفاضة، وكذلك في المواجهات المسلحة مع المقاومة الفلسطينية. ووثقت كاميرات الإعلام الدولي أكثر من مرة مشاهد فظيعة يَسير فيها جنود الاحتلال متمترسين خلف شبان وأحيانا مراهقين فلسطينيين. وخلال الغزو الأميركي للعراق في 2003، اتُهم نظام الرئيس الراحل صدام حسين بتخزين كميات كبيرة من السلاح وسط الأحياء السكنية حماية لها من القصف الجوي. وخلال عدوان إسرائيل على لبنان عام 2006، اتهم الاحتلال حزب الله بنصب بطارياته العسكرية داخل الأحياء المدنية، وهي التهمة نفسها التي يُوجهها دائما للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.

 

موقف القانون الدولي الإنساني:

وتعد حماية المدنيين أحد أسس القانون الدولي الإنساني، ومن ثم تحظر مجموعة متنوعة من القوانين استخدام الدروع البشرية بما في ذلك اتفاقيات جنيف لعام 1949، كما تعد المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي استخدام الدروع البشرية جريمة حرب. ويمنع البروتوكول الإضافي لاتفاقيات جنيف (المادة 7) منعا كليا استخدام الدروع البشرية خاصة الأسرى، كما أن اتفاقية جنيف لعام 1929 تُلزم الطرف المسيطر على الجبهة بإخلاء أسراه في أسرع وقت ممكن وإبعادهم عن جبهات القتال، ومن ضمن الأسباب الكامنة وراء هذا الإلزام الخوف من استخدام الأسرى دروعا بشرية. ويعد حظر استخدام المدنيين دروعا بشرية جزءا من القانون العرفي، لكن رغم وروده في عدة اتفاقيات ملزمة لموقعيها، تطالبهم باتخاذ تدابير لحماية المدنيين والمنشآت المدنية، يعد إثبات الانتهاك قانونيا أمرًا صعبًا.

وإذا لجأ طرف ما في الحرب إلى استخدام الدروع البشرية، فإن الطرف المهاجم يبقى ملزما بموجب القانون الدولي الإنساني بالتمسك بمبادئ الاحتياط والتناسب، أي أن على الطرف المهاجم أخذ كل تدابير الاحتياط التي من شأنها تقليل عدد الضحايا المدنيين، ويجب أن تكون الميزة العسكرية المرجوة من الهجوم متناسبة مع قوة الهجوم التدميرية وحصيلة الأرواح الناتجة عنه. وإن وجد الطرف المهاجم أن العملية العسكرية قد يفوق ضررها فائدتها فيجب عليه وقفها وتصبح الهجمة محظورة بموجب القانون الدولي الإنساني، ويعني ذلك أنه في حين أن استخدام الدروع البشرية محظور، فمن الممكن لهجمة أن تكون قانونية إذا ما كانت متناسبة.

يفرض القانون الدولي الإنساني على أطراف النزاع المسلح أنْ تُميز -في كل وقت- بين المدنيين والعسكريين، وبين المشاركين في القتال وغيرهم بموجب مبدأ التناسب، ومن هذا المنطلق يَفرض القانون الدولي حماية الأسرى والمصابين لأنَّهم لم يعودوا طرفا في القتال. إلا أن القانون الدولي الإنساني يُميز بين اعتقال العسكري الذي تكفي صفته لاعتقاله طيلة فترة الحرب، في حين لا يحق أسر المدني، أما اعتقاله فلا يكون مبررا إلا في ضوء أنشطة ضارة يقوم بها، كتقديم معلومات للعدو أو تنفيذ عمليات لصالحه. ومن هنا يبرز إشكال استمرار تعرض المدني للاعتقال لا لشيء إلا استخدامه في الدروع البشرية. وتنص مواد القانون الدولي على حماية المدنيين من أخطار العمليات العسكرية ما لم يشاركوا مباشرة في أعمال تضر بالعدو، ولكنه لا يوضح ما إذا كان جعل المدنيين من أنفسهم دروعا بشرية طوعية يعد مشاركة مباشرة في النزاع.

 

الدروع البشرية في الإسلام

أن الإسلام كفل حماية المدنيين، وعدم استهدافهم عمدًا في أثناء سير العمليات القتالية، فيقول تعالى "وَقَاتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، والسنة النبوية أوضحت من يجب حمايتهم حال القتال ما لم يشاركوا في المعركة، وهم النساء، والأطفال، والمسنُّون، والرهبان، والعُسفاء، وهم الأجراء المستقدمون لأداء خدمات ومهام معينة للعدو في ساحة المعركة، لكنهم لا يشاركون في العمليات القتالية الفعلية، كذلك المرضى والمكفوفين والمقعدين والمزارعين والتجار والصناع إلا إذا اشتركوا في القتال.

كما حظر الإسلام أيضًا استخدام الأسلحة العشوائية، على الرغم من أن الأسلحة التي استخدمها المسلمون في بداية التاريخ الإسلامي كانت بدائية، ذات قدرة محدودة على التدمير، فقد حرص الفقهاء المسلمون على تأسيس أحكام بخصوص استخدام أسلحة عشوائية الطابع، مثل المنجنيق «آلة لقذف الحجارة الضخمة» والسهام المسمومة والسهام النارية، واستدل بالآية القرآنية ﴿مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَٰلِكَ في الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ﴾.

كما حظر الهجمات العشوائية، انطلاقًا من الحرص على مبدأ التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين، فصلوا في أسلوبين: هما البيات «أي: الإغارة على العدو ليلًا»، والتَّترُّس «أي استخدام دروع بشرية»، وكل ذلك من أجل الحفاظ على حياة غير المحاربين، ويخلص إلى أنه «بناء على هذه القواعد المقررة في الإسلام لا يجوز استخدام الدروع البشرية في الحروب لأي من الفريقين المتحاربين».

 

الفرق بين التترس والدروع البشرية:

ثمة تعبيران يحملان المعنى نفسه من حيث اللغة، ولكنهما يحيلان -من منظور تاريخي ومفهومي- إلى أمرَين مختلفين. التعبير الأول: هو "الدروع البشرية"، والتعبير الثاني: هو "التترس" (اتخاذ تُرْس). فالأول عسكري وقانوني حديث يعبّر عن جريمة حرب، بينما الثاني فقهي وصفي يُطلب فيه الحكم المعياري، وثمة خلاف حول تفاصيله بين المذاهب الفقهية تاريخيًّا، وقد استخدمته جماعات العنف -في الزمن الحاضر- لتسويغ إصابة المدنيين المسلمين في معاركها مع الأنظمة السياسيّة الداخلية.

أمّا اتخاذ دروع بشرية، فهو أمر مجرّم في القانون الدولي، ويتضمن أمرين: الأول: استخدام المدنيين بشكل مباشر في الحرب، والثاني: الاستفادة من وجود المدنيين؛ لحماية هدف عسكري من الهجوم عليه، أو لإعاقة العمليات العسكرية للعدو.

أما التترس، فمعناه أن يحتمي العدو غيرُ المسلم بمن يَحرم قتله (من المسلمين أو أهل الذمة وَفق الاصطلاح التاريخي)، يريد بالتُرْس صدَّ المسلمين عنه لتحقيق غرض عسكري، ونلحظ فوارق عدة بين مفهومي الدروع البشرية والتترس وهي:

الأول: أن التترس يتمحور -أساسًا- حول اتخاذ العدو غير المسلم ترسًا ممن يَحْرم قتله، ومن ثم انصرف النقاش الفقهي التاريخي إلى حكم المضي قدمًا في العمل العسكري؛ إذا كان سيؤدي إلى قتل الترس البشري (من المسلمين أو أهل الذمة أو نساء العدو نفسه وصبيانه الذين يَحرم قتلهم في الحرب)، ومن اللافت أن النقاش الفقهي حول التترس يستبعد فكرة استعمال المسلمين أنفسهم الترسَ، ويبدو أنها لم تكن مطروحة ولم يسبق للمسلمين أن استعملوا الترس البشري في الحروب، ولكن استعمله غيرهم قديمًا وحديثًا.

الثاني: أن التترس جزء من منظومة ما قبل الدولة الحديثة التي تصوغ تصورها الخاص حول من يَحرم قتله في الحرب، بينما تتمحور فكرة الدروع البشرية حول مبدأ أو قاعدة مركزية، وهي التمييز بين المدني والعسكري أولًا، وإعطاء حرمة متميزة للمدني وحمايته في الحرب ثانيًا، ومن هنا اعتُبر استخدام الدروع البشرية جريمة قانونية؛ لأنه يلغي هذه الفوارق ويهدر حرمة المدنيين الذين ليسوا جزءًا من الحرب ولا يساهمون فيها. وعلى هذا، فمفهوم "المدني" الحديث أوسعُ من التصورات الفقهية الكلاسيكية لمن يَحرم قتله في الحرب.

______________

المصادر:

  1. الدروع البشرية.. تعريفها ونشأتها وأشكالها، الجزيرة نت، 10 يونيو 2024، https://bit.ly/3XVVs2l
  2. د. معتز الخطيب، "الدروع البشرية" في غزة من منظور قانوني وأخلاقي، الجزيرة نت، 5 يناير 2024، https://bit.ly/3S6by5J
  3. سيف دويدار، استخدمها ريتشارد الأول ضد صلاح الدين وتستخدمها إسرائيل ضد المقاومة.. قصة الدروع البشرية، عربي بوست، 15 ديسمبر 2023، https://bit.ly/3XX9GQB
  4. لؤي على، عضو مجمع البحوث الإسلامية: لا يجوز استخدام الدروع البشرية في الحروب، اليوم السابع، 3 أبريل 2019، https://bit.ly/461BANk

 

د. محمد سليم العوا

تموز/يوليو 17, 2024

مفكر إسلامي وفقيه قانوني مصري، وأمين عام سابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأحد رموز مدرسة «الإسلام الوسطي» أو «المنظور الحضاري»، إلى جانب أسماء تعد اليوم رموزًا للفكر الإسلامي المعاصر، من داخل هذا المنظور، قدم العوا إسهامه الفكري الذي «امتاز بنزوعه التحديثي الواضح إلى استيعاب القيم الحديثة في المنظومة الإسلامية».

 

النشأة والدراسة والتكوين:

ولد في ديسمبر عام 1942 بالإسكندرية، وهو متزوج وله ثلاث بنات وولدان، وسبعة أحفاد، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة الإسكندرية عام 1963م وعلى دبلوم الشريعة الإسلامية عام 1964م، ثم حصل على دبلوم القانون العام عام 1965م وعلى الدكتوراه في القانون المقارن بين التشريع الإنجليزي والإسلامي من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية التابعة لجامعة لندن عام 1972.

 

المناصب والمسؤوليات:

شغل د. العوا العديد من المناصب منها منصب وكيل النائب العام المصري 1963 و1966، وعُين محاميًا في هيئة قضايا الدولة بمصر بين عامي 1966 و1971م، وعمل أستاذًا للقانون والفقه الإسلامي في عدد من الجامعات العربية منها: أستاذ غير متفرغ في جامعة الزقازيق بين عامي 1985 و1994، وأستاذ زائر في جامعة أم درمان عامي 1976 و1977، وأستاذا مشاركا في جامعة الملك سعود 1974 و1979، كما كان مستشار مكتب التربية العربي لدول الخليج بين عامي 1979 و1985. وهو عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة ومجمع الفقه الإسلامي الدولي بمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومجلة المسلم المعاصر، والجمعية الدولية للعلماء الاجتماعيين المسلمين، والمجموعة القانونية الاستشارية لبنك فيصل بين 1985 و1994، وهو عضو مؤسس بالفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، بالإضافة إلى عضوية المجلس الأعلى للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

كما شغل منصب الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس جمعية مصر للثقافة والحوار، وعضو مجلس أمناء المعهد العالمي للاقتصاد والبنوك الإسلامية، كما كان محاميًا في إدارة الفتوي والتشريع بالإعارة لدي "مجلس الوزراء الكويتي" بين 1967 و1969.

 

التجربة السياسية والفكرية:

يتسم فكر د. العوا بالاعتدال والبعد عن الصدام، حتى أصبح أحد رواد الحوار الوطني المصري، ومع ذلك كانت له مواقف صدامية مع نظام الرئيس مبارك، تعرض إثرها لمضايقات أمنية عديدة، عمل منذ زمن على مشروع سماه "المشروع الإسلامي الحضاري الوسطي"، وهو مشروع يهتم بالإنسان، وبناء المؤسسات القادرة على إعادة تكوين الإنسان، ودخل ساحة السياسة من بابها الواسع وهو رئاسة الجمهورية، فترشح مستقلًا عام 2012م لكنه لم يوفق في الانتخابات.

كما نجد أن كتاباته ومسيرته تؤكد نزوعه إلى التجديد في مسائل الفقه السياسي عبر استيعاب قيم الحداثة خصوصًا الديمقراطية في منظومة القيم الإسلامية، ولا يساير هوى العامة أو الجمهور، حتى وإن كان هذا الجمهور نظريًا هو الجمهور الأقرب إليه أو المتوجه إليه بخطابه، كجمهور الحركات الإسلامية، وفي الوقت عينه لا يقيم معهم قطيعة مثلهم مثل غيرهم من باقي أبناء المجتمع المصري وتياراته السياسية الذين كانوا من بين الحضور في صالوناته الثقافية التي كان يقيمها في جمعية مصر للثقافة والحوار التي كان يرأسها.

في هذا الصدد لم يساير العوَّا الإسلاميين في فكرة أن «الخلافة» هي النظام السياسي الذي أتى به الإسلام ويتعين على المسلمين العمل لاستعادته، ودعاهم لعدم الخلط بين «قيم الإسلام المستمدة من الوحي» و«التجارب التاريخية للمسلمين»، معتبرًا أن الشأن السياسي متروك للاجتهاد، وأن نظام الخلافة في مدلوله السياسي أو الدستوري ليس أكثر من عملية تنظيم رئاسة الدولة التي تشتمل على اختيار الرئيس وتحديد صلاحياته ومسؤولياته. كذلك لم يساير نخب أو قادة تلك الحركات في مسألة وجوب سيطرة رجال الدين على الحكم أو ما نستطيع تسميته «ثيوقراطية الدولة».

وعلى الجانب الآخر، لا يساير العوا الآراء العلمانية عن الدولة الحديثة وغاياتها التي تحددها نخبها السياسية، بل ينطلق من تصور فقهي يرى أن غاية «الحكومة في الدولة الإسلامية» هي إقامة الدين وتحقيق مصالح المحكومين، مسلمين وغير مسلمين؛ معللًا ذلك بقول الإمام العز بن عبد السلام: «ذلك أن الله، سبحانه وتعالى، قد رتب على طاعته واجتناب معصيته مصالح الدارين».

إن تلك الأفكار التي عرضها العَوَّا في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، تتمثل أهميتها من السياق الذي طُرحت فيه، فمن خلالها يقيم العَوَّا قطيعة مع الخطاب «القطبي» داخل الحركة الإسلامية القائم على «نظرية الحاكمية الإلهية» التي ترى في الإمام/الخليفة/ رئيس الدولة حاكم ثيوقراطي يستمد سلطته من الله وليس من المحكومين؛ كونه نائب الله على الأرض. وفي الوقت نفسه يقيم نفس القطيعة مع النخب العلمانية أو الشعبوية العربية التي حددت للدولة غاياتها وأخفقت في تحقيق الحد الأدنى من برامج التحديث والتحرر الوطني والرفاه، التي طرحتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

لذا عَمِلَ العَوَّا على توضيح أن هناك قيمًا حاكمة أو عليا توجه الحكومة وتكون شرطًا سابقًا على قيامها حتى لا تنزلق إلى ما انزلقت إليه النظم العربية في الخمسينيات والستينيات، وشدد على حق الأمة في مطالبة حكامها بهذه «المبادئ الدستورية أو القيم السياسية»، بل اعتبر أن من واجب الأمة وأفرادها التمسك بتلك المبادئ والاحتكام إليها.

إن تلك القيم الحاكمة يتم استمدادها من الأحكام العامة للقرآن الكريم والسنة النبوية، وتتأسس على فاعلية الأمة، التي يستلزم تحقيقها وحمايتها إقرار مبدأ التعددية السياسية، تلك القيم هي:

  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: مع التأكيد على ضوابط تلك القيمة أثناء الممارسة كما حددها الفقهاء وتوضيح المشاكل التي نتجت من افتئات بعض الجماعات عليها.
  • الشورى: باعتبارها ملزمة للحاكم وليست معلمة.
  • العدل: الشامل لعلاقات الحياتية كلها والمسيطر عليها، سواء بين الحكام والمحكومين أم بين عامة الناس.
  • الحرية: التي هي بمثابة أصل عام يعمل في نطاق العقيدة وتتفرع عنها الحريات السياسية.
  • المساواة: عدم جواز التمييز بين الناس بسبب نسب أو حسب أو دين أو لون أو جنس.
  • مساءلة الحكام وطاعتهم: حيث إن الحاكم في الفقه الإسلامي ليس فوق المساءلة، كما ذهب خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أبو بكر الصديق في قوله: «… إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني».

أخذ العَوَّا خطوة إصلاحية شديدة الأهمية في مجال الفقه السياسي في ما يتعلق بحق المشاركة السياسية للمرأة وغير المسلمين، وتوليهم المناصب العامة داخل الدولة، حيث أجاز الأمر معتبرًا أن العالم الإسلامي خرج من إطار نظام الخلافة التي عرفناها في تاريخنا إلى إطار الدولة المدنية الحديثة، التي يجوز فيها أن يتولى المناصب العامة والسياسية أي إنسان مسلم أو مسيحي، أو أي مواطن في الدولة ذكرًا أو أنثى؛ مرجعًا الأمر لطبيعة الحكم الحديث التي تتوزع فيه المهام على مؤسسات دستورية مختلفة ولا يقوم بها شخص واحد، وكذلك طبيعة المناصب فيها التي تعتبر وكالة عن المواطنين لا ولاية من أي نوع كان.

 

أعماله:

يشتمل الإنتاج الفكري للدكتور سليم العَوَّا على قرابة 40 كتابًا مؤلفًا، و46 دراسة باللغة العربية، وعشرة باللغة الإنجليزية، بخلاف تعقيباته وتخريجاته على بعض الكتب التي كان أحدثها مؤلف الشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر الأسبق، إلى جانب شروحه وتعقيباته شديدة الأهمية على كتابي «إحياء علوم الدين» للإمام أبي حامد الغزالي ومقدمة العلامة ابن خلدون لكتاب «العبر وديوان المبتدأ والخبر».

أما أبرز أعماله، فهي:

  1. في أصول النظام الجنائي الإسلامي.
  2. في أصول النظام السياسي الإسلامي.
  3. أزمة المؤسسة الدينية.
  4. المدارس الفكرية الإسلامية.
  5. الأقباط والإسلام حوار 1987.
  6. الأزمة السياسية والدستورية في مصر.
  7. الدين والوطن فصول في علاقة المسلمين بغير المسلمين.
  8. الفقه الإسلامي في طريق التجديد.
  9. قضية الإخوان المسلمين 1995.
  10. دور المقاصد في التشريعات المعاصرة.
  11. في النظام السياسي للدولة الإسلامية.
  12. أسرتنا بين الدين والخلق.
  13. الحق في التعبير.
  14. الوسطية السياسية.
  15. المدارس الفكرية الإسلامية.
  16. حوارات في الدين والسياسية.
  17. ختان الإناث في منظور الإسلام.
  18. العلاقة بين السنة والشيعة.
  19. بين الآباء والأبناء تجارب واقعية.
  20. محاضرات في الفتح الإسلامي لمصر.
  21. النظام السياسي في الإسلام.
  22. غزة المقاومة والممانعة.
  23. القاضي والسلطان: الأزمة القضائية المصرية.
  24. المسلم والآخر.
  25. الدين والدولة التجربة المصرية.
  26. ثورة يوليو والإسلام.
  27. شخصيات ومواقف عربية ومصرية.
  28. الإسلام والعصر.
  29. مقاصد السكوت التشريعي.
  30. التعليل بالحكمة.
  31. أيام من رمضان.
  32. مقامات الأصول دليل المثقف المعاصر إلى علم أصول الفقه.

كما شارك في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية القانونية والإسلامية والتربوية في مختلف أنحاء العالم، بالإضافة إلى إعداد وتحرير عدد من الموسوعات والبحوث العلمية.

__________

المصادر:

  1. محمد سليم العوا، الجزيرة نت، 6 أكتوبر 2024، https://bit.ly/3LuNMMQ
  2. محمد على إسماعيل، محمد سليم العوَّا: ثمانون عامًا في الفكر والسياسة، إضاءات، 2 يناير 2023، https://bit.ly/3W8B7Ei
  3. محمد سليم العوا، كتوباتي، https://2u.pw/Mr2ZPuGf

د. محمد نور فرحات

حزيران/يونيو 25, 2024

د. محمد نور فرحات (1941- 2023م) هو فقيه قانوني ومفكر وسياسي مصري، ومحامي بالنقض، عمل أستاذًا قانون في كلية الحقوق في جامعة الزقازيق، وله عدة كتابات في شكل كتب ومقالات في مجالات فلسفة وتاريخ القانون وعلم الاجتماع القانوني وقضايا الديموقراطية وحقوق الإنسان، كما كان أحد أبرز المدافعين عن الدولة المدنية في مصر ومن مؤسسي المؤسسة المصرية لحماية الدستور.

 

مولده:

ولد د. محمد نور فرحات في شهر سبتمبر عام ألف وتسعمائة وواحد وأربعين (1941م)، بحي شبرا بالقاهرة، لأسرة مصرية متوسطة وأب من علماء الأزهر الشريف العاملين بالقضاء الشرعي والمحاماة.

 

مسيرته العلمية والأكاديمية:

  • حصل الدكتور نور فرحات على شهادة البكالوريا عام 1958 من مدرسة التوفيقية الثانوية، ثم التحق بكلية الحقوق جامعة القاهرة ليتخرج منها عام 1962، ويحصل بعد ذلك مباشرة على دبلومة القانون من الجامعة ذاتها.
  • عين بعدها باحثًا مساعدًا بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حديث النشأة، ليصقل نهمه للبحث القانوني ويتتلمذ فيه على يد أساتذته الدكتور أحمد خليفة، والدكتور سيد عويس، وفي جامعة القاهرة على يد الدكتور إسماعيل غانم.
  • وقد أتيحت للدكتور محمد نور فرحات في الفترة من عام 1963 وحتى عام 1969 فرصة السفر والترحال إلى كثير من بقاع مصر والسودان لإجراء البحث الاجتماعي والقانوني بحكم عمله في المركز.
  • سافر د. محمد نور فرحات عام 1969 في بعثة للاتحاد السوفيتي للحصول على الدكتوراه، وأنهى سنوات دراسته لدكتوراه الفلسفة عام 1975 بتفوق.
  • عاد إلى المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، ثم انتقل بعد ذلك للعمل كمدرس للقانون بكلية الحقوق جامعة الزقازيق، والتي كانت في طور نشأتها، وساهم في تأسيس كلية الحقوق جامعة الزقازيق والإعداد الأكاديمي لها، وتعيين أعضاء هيئة التدريس ورأس قسم فلسفة القانون وتاريخه بالكلية لمدة تقترب من نصف القرن.

 

مناصبه ومسيرته السياسية:

  • انضم د. محمد فرحات إلي (حزب التجمع).
  • كما كان د. محمد فرحات عضوًا فاعلًا ومؤثرًا بالمنظمة العربية لحقوق الإنسان عن طريق دعمه لحرية الرأي والتعبير في الوطن العربي من خلال عمله القانوني كمحام ومفكر قانوني وسياسي.
  • سافر د. محمد فرحات عام 1996 لدولة منغوليا وقضي بها عامين كمستشار الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
  • سافر عام 1998 إلى أوزبكستان ككبير مستشاري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، حيث ساهم في تقييم وضع حقوق الإنسان العام في هذه الدول، وتطوير وتحديث نظامها القانوني.
  • ساهم في تأسيس الحزب (الديمقراطي الاجتماعي) للتعبير عن توجهات مجموعة من المثقفين والسياسيين المصريين نحو رؤيتهم لما يجب أن تكون عليه مصر بعد الثورة من ديمقراطية لصالح العدالة الاجتماعية.
  • كما كان رئيسًا للجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة، وعضوًا بالمجلس القومي للمرأة.

 

اعتزاله المحاماة:

أعلن عن سبب اعتزاله المحاماة عبر منشور على صفحته على «فيسبوك» في 24 أغسطس 2016، جاء فيه «قررت التوقف عن ممارسة المحاماة لأن الطريق إلى العدل أصبح ممتدًا وشاقًا ومليئًا بالعوائق وغير آمن.. وداعا أنبل مهنة في التاريخ».

 

أعماله:

أصدر الدكتور محمد فرحات العديد من الكتب منها:

  • كتاب "التاريخ الاجتماعي للقانون في مصر الحديثة-العصر العثماني".
  • كتاب "المجتمع والشريعة والقانون".
  • كتاب "البحث عن العقل: حوار مع فكر الحاكمية والنقل".
  • كتاب "البحث عن العدل: السلطة والقانون والحرية".
  • كتاب "دساتير من ورق: الدساتير العربية والسلطة السياسية" (ترجمة وتعليق).
  • تعريب كتاب "القضاء في مصر والخليج: القانون في خدمة من؟ (المحاكم - السلطة - المجتمع) ناثان ج. براون".
  • كتاب "المجتمع والشريعة والقانون".
  • ورقة بحثية بعنوان "الدين والدستور في مصر".
  • الدولة والمجتمع المدني العربي (إشكالية العجز والهيمنة والتوجهات الليبرالية).
  • الأصولية وحقوق الانسان قراءة في بعض الاشكالات الثقافية لفاعلية حقوق الانسان في المجتمعات العربية.
  • مراجعة ترجمة كتاب "حقوق الإنسان العالمية بين النظرية والتطبيق".

وكتب وكتابات أخرى كثيرة.

 

جوائزه:

  • حصل على جائزة التفوق في العلوم الاجتماعية عام 2001.
  • حصد جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2003.

وكان ذلك عرفانًا من الدولة بجهوده الكبرى في مجال فلسفة القانون والتحامه بالمجتمع وقضايا وطنه.

 

وفاته:

توفي د. محمد نور فرحات يوم السبت 28 يناير عام ٢٠٢٣ عن عمر يناهز ٨٢ عامًا.

__________

المصادر:

  • محمد نور نصر محمد فرحات، المجلس الأعلى للثقافة، https://bit.ly/3VQ24hg
  • وفاة الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون بجامعة الزقازيق، الشروق، 28 يناير 2023، https://bit.ly/4cPmLzJ
  • على عبد الجواد، محمد نور فرحات.. الفقيه الدستوري وأستاذ فلسفة القانون.. لماذا اعتزل المحاماة وبما وصفها؟، نقابة المحامين المصرية، 18 أكتوبر 2022، https://bit.ly/3zdW3lI
 

هو الإمام الجليل، والفقيه الكبير، والمصلح الاجتماعي الكبير، وشيخ الأزهر الأسبق محمود محمد داود شلتوت

حياته

ولد الشيخ محمود شلتوت بمنية بني منصور مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة (1893)، وحفظ القرآن الكريم ثم التحق بمعهد الإسكندرية الديني (1906)، وفي هذا المعهد شهد الشيخ محمود شلتوت عهد الشيخ محمد شاكر شيخ علماء الإسكندرية بكل ما تميز به هذا العهد الزاهر، وكان في جميع سنواته أول الناجحين، ونال الشيخ محمود شلتوت الشهادة العالمية النظامية (1918) وهو في الخامسة والعشرين من عمره. وفي العالمية كان أول الناجحين كما كان كذلك في سنين دراسته من قبل أيضًا.

عُين الشيخ محمود شلتوت مدرسًا بمعهد الإسكندرية الديني في العام التالي مباشرة لتخرجه (1919). ولما قامت ثورة 1919 بدأ نشاطه في الظهور، وشارك في الثورة بإخلاص وحماسة، كما شارك في جمع التبرعات لأسر المعتقلين، كما لمع نشاطه العلمي في الإسكندرية، وبدأ يعرف طريقه إلى المجتمع والصحافة، وامتدَّ نشاطه العلمي إلى كل ما يتصل بعلوم الدين من فقه وتفسير وحديث.

آمن الشيخ شلتوت بفكر شيخه الشيخ محمد مصطفى المراغي والذي عُين شيخًا للأزهر للمرة الأولى (1928-1929)، فعمل التلميذ على استيعاب فكر أستاذه والدعوة له، وأهله حضوره ونشاطه لأن يختاره أستاذه لتدريس أصول الفقه في القسم العالي بالأزهر، على الرغم من أن تدريس الأصول كان وقفًا على العلماء الكبار القدامى، وكان الشيخ محمود شلتوت جديرًا بما أسند إليه، فانبهر الكثيرون من تلاميذه بالقسم العالي بعلمه الراسخ، وشجاعته الفكرية، وقد كان منهم الأستاذ الأكبر الشيخ الدكتور عبد الحليم محمود.

وقد عكف الشيخ شلتوت على دراسة آراء شيخه المراغي في المذكرة التفصيلية الخاصة بقانون الأحوال الشخصية وشؤون الأسرة، وهي المذكرة التي تضمنت من الآراء الفقهية ما لم يقف عند حدود المذاهب الأربعة، بل تعدت هذا الأفق إلى شتى الآراء في المذاهب المختلفة لكبار الفقهاء في الإسلام،  وقد أثرت هذه المشاركة في فكره الفقهي تأثيرًا واسع المدى وجعلته أقرب إلى التسامح المذهبي، ومنذ ذلك الحين أخذ الشيخ محمود شلتوت يكتب في الفقه الإسلامي بروح مختلفة عن الروح الشائعة، فلم يتقيد بالفقه الحنفي الذي درسه في الأزهر، واتخذه مذهبًا له على حسب نظام التعليم الأزهري، ولم يقتصر على المذاهب الثلاثة الأخرى، بل جعل كل رأي إسلامي موضع النظر. وهكذا درس الشيخ محمود شلتوت فقه زيد بن علي، وجعفر الصادق، وابن حزم، وابن تيمية، وتلميذه ابن القيم.

          واستقرت صورة الشيخ محمود شلتوت في الوجدان الأزهري والثقافي (وفي الذاكرة الصحفية والشعبية كذلك) على أنه من مؤيدي أفكار الشيخ محمد مصطفى المراغي ومنهجه في إصلاح الأزهر، لاسيما بعد أن أيد الشيخ المراغي بعدة مقالات نشرت في جريدة «السياسة» اليومية، ولذلك فعندما استقال الشيخ المراغي من مشيخة الأزهر بعد المعارضة القوية لحركته الإصلاحية، كان من الطبيعي أن يغضب الشيخ محمود شلتوت بسبب إبعاد شيخه عن مشيخة الأزهر، وأن يزداد غضبه حين يرى النظرة إلى الفقه الإسلامي لا تزال في حيزها الضيق، وهذا ما دفعه إلى المناداة في مقالاته بضرورة الالتزام بما نودى به من قبل، وإلى أن يقود حملة صادقة تطالب بتطوير تدريس الفقه، فكان من الطبيعي أن يضيق به الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الأحمدي الظواهري الذي حل محل الشيخ المراغي في مشيخة الأزهر، وتصاعدت الأمور حتى فصل الشيخ محمود شلتوت من منصبه ضمن من فصلوا من كبار العلماء السبعين، فعمل بالمحاماة أمام المحاكم الشرعية، حيث سرعان ما حقق الشيخ محمود شلتوت ذاته في ممارسة المحاماة الشرعية، فضلًا عما أتيح له من أن يدرس أحوال الأسرة دراسة ميدانية، حيث ألم بتفصيلات مسائل الزواج والطلاق والميراث والنفقة على طبيعتها الحية بين المتخاصمين، وراجع ما كتبه الفقهاء مراجعة مَنْ ينشد استقرار الأسرة الإسلامية في ضوء التشريع الصحيح.

ولما انتهت فترة الشيخ محمد الأحمدي الظواهري (1929 ـ 1935) وعاد الشيخ محمد مصطفى المراغي إلى المشيخة عاد الشيخ محمود شلتوت إلى العمل مدرسًا بكلية الشريعة (فبراير 1935)، فاختار لنفسه أن يدرس مادة جديدة لم تكن مقررة من قبل، هي مادة الفقه المقارن، وفي ذلك الوقت المبكر كان ميدان بحوثه هو المقارنة على المذاهب الأربعة وحدها، وكان أول مَنْ بدأ تدريس الفقه المقارن في الأزهر، وقد أصدر مع الأستاذ محمد على السايس كتابًا في الفقه المقارن. وقد ارتقى الشيخ شلتوت في الوظائف حتى عُين وكيلًا لكلية الشريعة، ثم مفتشًا بالمعاهد الدينية.

 

ارتباطه بحركة الإصلاح الأزهري

كان الشيخ محمود شلتوت، من قبل هذا في طليعة المنادين بالتجديد والإصلاح في الأزهر، ويعده مؤرخو هذه الحقبة ومعاصروها من ألمع الناشئين في مدرسة الشيخ محمد عبده، وذلك على الرغم من أنه لم يلتحق بالأزهر إلا بعد وفاة الأستاذ الإمام بعام، لكنه اتصل اتصالًا مباشرًا باثنين من أنجب تلاميذ الإمام محمد عبده هما الشيخ الأكبر والمفتي الأكبر: شيخ الأزهر: الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي، والأستاذ الأكبر المفتي الشيخ عبد المجيد سليم. ويعد الشيخ محمود شلتوت في نظر الكثيرين من أبناء الأزهر بمثابة حامل راية الإصلاح والتجديد من بعدهما.

طالب الشيخ محمود شلتوت منذ مرحلة مبكرة بأن يعاد النظر في مناهج الأزهر وكتبه حتى تعبر تلك الكتب والمناهج عن النهضة الحديثة، وقد ظل الشيخ محمود شلتوت على ما عهد فيه من روح الثورة والرغبة في التقدم، حتى إنه يذكر له أنه كان واحدًا من الثائرين على تباطؤ الشيخ محمد مصطفى المراغي نفسه في الإصلاح بعد عودته إلى الأزهر (1935)، وكان شلتوت، فيما يرويه الدكتور محمد رجب البيومي، عضوا فيما سمي بجماعة الشيخ عبد المجيد سليم (التي ضمت الدكتور محمد البهي، والشيخ محمد محمد المدني، والشيخ عبد العزيز عيسي)، وقد شنت هذه الجماعة حملة على الشيخ محمد مصطفى المراغي لتباطئه في الإصلاح، وقد بدأ الشيخ محمود شلتوت الدعوة إلى الإصلاح في جماعة كبار العلماء بمحاضرة صريحة ألقاها في كلية الشريعة تحت عنوان «السياسة العلمية التوجيهية للأزهر» أثنى فيها على المذكرة الإصلاحية ولخص ما قرره أستاذه الإمام الشيخ محمد مصطفى المراغي من ضروب الإصلاح، وانتهى إلى أن أمدًا طويلًا قد مر على الأستاذ الأكبر دون أن يأخذ بما يرى:

  • "فلم تزل كتب الأزهر هي الكتب المعقدة التي تنحو في التأليف منحي عسيرًا لا يسهل على القارئ اجتيازه إلا بشرح الألفاظ، وإرجاع الضمائر، وشغل الأفهام بصحيح العبارة، وكأنها هدف لذاتها دون ما تقصد إليه من معنى ضاع في ضباب الصياغة.
  • ولم نزل نشغل أنفسنا بالفروض الفقهية المستحيلة كما اشتغل بها فقهاء العصر المملوكي.
  • ولم تزل الإسرائيليات ذائعة تملأ كتب التفسير التي تدرس بالأزهر.
  • ولم يزل الطلاب يمتحنون في المقروء فحسب، دون أن يتموا المنهج، وهم لا يقطعون من الزمن الدراسي في العام الطويل غير أربعة أشهر إن لم تقل!
  • وإن ذلك كله يدل على أن الإصلاح المدون في مذكرة الأستاذ الأكبر قد تجمد ولم ينطلق".

وهكذا واجه الشيخ محمود شلتوت كبار المسؤولين الأزهريين مواجهة خطيرة بعد أن أذاع مذكرته وطبعها وبعث بها إلى الجرائد والصحف، فنقلت خلاصتها، واضطر بعض أنصار الشيخ محمد مصطفى المراغي أن يهاجموها، وأن يقولوا إن خطوات الإصلاح تسير بنجاح.

ومع مطلع الخمسينيات عين الشيخ محمود شلتوت مراقبًا عامًا للبحوث والثقافة الإسلامية بالأزهر (1950)، وهو المنصب الموازي لمنصب شبيه تمامًا استحدث في وزارة المعارف، وكان نواة لوزارة الثقافة فيما بعد، ويذكر للشيخ الشيخ محمود شلتوت أنه وضع أول خطة منهجية لعمل هذه المراقبة بما يخدم علاقات مصر الثقافية مع العالمين العربي والإسلامي وغيرهما.

 

في عهد الثورة

بعد الثورة بفترة عين الشيخ محمود شلتوت مستشارًا في المؤتمر الإسلامي الذي كان الرئيس أنور السادات رئيسًا له. ومن خلال هذا الموقع أتيحت له الفرصة لأن يشارك في اجتماعات أسبوعية مع علماء من بلاد الإسلام، وأن يتعامل تعاملا مباشرًا وتنفيذيًا مع بعض قادة الثورة ومسؤولي العهد الجديد، وقد عين الشيخ محمود شلتوت وكيلًا للجامع الأزهر في عهد مشيخة الدكتور الشيخ عبد الرحمن تاج، وكانت بعض الصحف المتصلة بالحركات والتجمعات الإسلامية ترى الوضع مقلوبًا، وترى الشيخ محمود شلتوت أولى بالمشيخة من الدكتور عبد الرحمن تاج، ومن الطريف أن الأستاذ الأكبر الدكتور تاج نفسه عين شيخًا خلفًا للأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين حين رأت الثورة ألا يكون شيخ الأزهر نفسه فوق السن القانونية للتقاعد، وهكذا أتيح للشيخ عبد الرحمن تاج المولود (1896) أن يخلف مباشرة من كان يكبره بعقدين من الزمان، فقد كان الشيخ محمد الخضر حسين من مواليد 1877.

جاء الشيخ محمود شلتوت إلى المشيخة في 13 من أكتوبر 1958، وقد صدر في عهده قانون تطوير الأزهر المعروف بالقانون رقم 103 لسنة 1961 بشأن إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، وبعد صدور هذا القانون أصبح الشيخ محمود شلتوت أول حامل للقب الإمام الأكبر، بناء على نص القانون الجديد، كما أصبح عضوًا ورئيسًا لمجمع البحوث الإسلامية، وشاءت الأقدار ألا يحضر افتتاح جلسات ذلك المجمع بسبب وفاته المفاجئة.

وإلى الشيخ محمود شلتوت يرجع الفضل في نشر تعليم الفتاة في الأزهر، وهو الذي بدأ سياسة إنشاء معاهد الفتيات الأزهرية، وكلية البنات الإسلامية، أو فلنقل من باب الاحتياط وحفظ حقوق الآخرين: إن ذلك قد تم بتوجيهه ومسعاه، وقد دب أكثر من خلاف بينه وبين الدكتور محمد البهي وزير الأوقاف وشؤون الأزهر (وقد كان تلميذًا له على نحو ما روى هو نفسه في مذكراته التي تدارسناها في كتابنا: العيش في العاصفة) في تطبيق القانون الجديد للأزهر، وكان هذا أمر طبيعيًا ومتوقعًا.

 

فكره الفقهي:

في الثلاثينيات كان من حظ الشيخ محمود شلتوت أن اتصل مبكرا بالمجتمع العلمي الدولي، حيث اختير مع الشيخ عبد الرحمن حسن وكيل الأزهر ليمثلًا الأزهر سنة 1937 في مؤتمر لاهاي العالمي لدراسة القانون الدولي المقارن، وهو المؤتمر الذي حضره عدد من أبرز الفقهاء والأصوليين في جميع أنحاء العالم، ليتدارسوا ما يحبذونه من الأفكار القانونية، ومما يذكر أن الأستاذ الشيخ أحمد إبراهيم، وكان أستاذا بكلية الحقوق، كان هو الذي مثل الجامعة المصرية في هذا المؤتمر. وقد قدم الشيخ محمود شلتوت في هذا المؤتمر بحثًا ضافيًا تحت عنوان «المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية» موضحًا معني المسؤولية في الإسلام، وشارحًا نصوص الفقهاء في الضمان والتعويض، ومستشهدًا بنصوص القرآن والسنّة في تحديد المسؤولية، وقد امتد بها الإسلام بحيث تشمل:

- مسؤولية الطبيب عن مريضه، ومسؤولية مَنْ يقصر عن إغاثة الملهوف.

– ومسؤولية صاحب الحيوان حين يتلف زرعا مملوكا لغير صاحبه.

– ومسؤولية المسلم أمام إتلاف محترزات غيره التي يحرّمها الإسلام كالخمر ولحم الخنزير، موضحا المراد من قول الفقهاء: حقوق الله، وحقوق العباد.

– المسؤولية الناشئة عن مخالفة العقد، والاستيلاء القهري مما عُرف في الفقه باسم الغصب.

– تحقق السببية بين الفعل والضرر، مقسمًا التسبب إلى إيجابي وسلبي، والتسبب الإيجابي واضح معروف، أما التسبب السلبي فقد فسر الشيخ غامضه بأمثلة ونصوص ذات إقناع.

– المسؤولية الجنائية، والحدود في الإسلام مقدمًا حديثًا جمع من نصوص الفقهاء ما كان غائبًا عن الكثيرين حتى من ذوي التخصص أنفسهم.

أوصي الشيخ محمود شلتوت في نهاية بحثه بحرية الفقهاء: "إن الشريعة الإسلامية لم تقيد الفقهاء، بعد أصولها الكلية، بخطة معينة في البحث، وإنما فوضت لهم الرأي والاعتماد على ما يقدرون من مصالح وواجبات في العصور المختلفة والبلدان المتباينة".

وكانت نتيجة الاقتناع بهذا البحث أن قرر المؤتمر بإجماع أعضائه اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرًا من مصادر التشريع الحديث، مع الاعتراف بصلاحيتها للتطور، كما قرر المؤتمر أن تكون اللغة العربية ـ لغة الشريعة الإسلامية ـ إحدى لغات المؤتمر في دوراته المقبلة، وأن يدعى إليه أكبر عدد من علماء الإسلام على اختلاف المذاهب والأقاليم، ومع مطلع الأربعينيات اختير الشيخ محمود شلتوت عضوًا في جماعة كبار العلماء (1941) برسالة عن "المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية" وهي الرسالة التي كانت نواتها من قبل بمثابة موضوع إسهامه من قبل في مؤتمر القانون الدولي، وقد نال الشيخ محمود شلتوت هذه العضوية وهو في الثامنة والأربعين من عمره، سابقا بذلك كثيرًا من علماء عصره الذين لم ينشغلوا بنيل هذه العضوية إلا بعدها بسنوات، ومن هؤلاء على سبيل المثال الأستاذ محمد الخضر حسين الذي نالها بعده بسنوات.

 

نماذج من فقهه الميسر

كان الشيخ محمود شلتوت فقيها مجتهدًا صاحب رأي، وكانت له فتاوى جريئة في المعاملات المالية لم تكن قد صيغت بهذا الوضوح لدي الفقهاء السابقين، وكان له رأي محدد في الربا والسندات والأسهم، وعلى سبيل المثال فقد أفتى بجواز الأرباح المحددة بنسب للأسهم في الشركات التعاونية، وقال: "إن هذه الشركات تعد نوعًا جديدًا من الشركة أحدثه أهل التفكير في طرق الاقتصاد والاستثمار، وليس فيه ظلم لأحد، أو استغلال لحاجة أحد".

وهكذا أباح الشيخ محمود شلتوت الأرباح المحددة التي تدفعها مصلحة البريد لأصحاب الأموال المودعة لديها في صناديق التوفير، ورأي أن هذا الربح لا يعد من الربا المحرم: "فقد قصد بهذا الإيداع حفظ مال المودع من الضياع، وتعويد نفسه على التوفير والاقتصاد من ناحية، ومن ناحية أخرى قصد به إمداد المصلحة بزيادة رأس مالها ليتسع نطاق معاملاتها وتكثر أرباحها فينتفع العمال والموظفون، وتنتفع الحكومة بفائض الأرباح".

وقد بين الشيخ محمود شلتوت أن الربا المحرم "هو الربا الذي حُدد بالعرف الذي نزل فيه القرآن، بالدين يكون لرجل على آخر فيطالبه به عند حلول أجله فيقول له الآخر: أخر دينك وأزيدك على مالك، فيفعلان ذلك (وهو الربا أضعافًا مضاعفة)، وهذا الصنيع لا يجري عادة إلا بين معدم غير واجد، وموسر يستغل حاجات الناس غير مكترث بشيء من معاني الرحمة المشروعة، فنهاهم الله عنه في الإسلام، وهذا النوع من الربا ينطوي على ظلم عظيم، واستغلال فاحش لحاجة الفقير".

وكان الشيخ محمود شلتوت يقول إن الفقهاء السابقين (عليه) قد توسعوا كثيرًا فيما يتناول الربا، ورأي كثير منهم أن الحرمة فيما يحرّمون تتناول المتعاقدين معًا المقترض والمقرض، ويري الشيخ شلتوت أن ضرورة المقترض وحاجته مما يرفع عنه إثم التعامل، لأنه مضطر أو في حكم المضطر، وقد صرح بذلك بعض الفقهاء فقالوا: «يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح، وإذا كان للأفراد ضرورة أو حاجة تبيح لهم هذه المعاملة فإن للأمة ضرورة أو حاجة كثيرًا ما تدعو إلى الاقتراض بالربح، والإسلام الذي يبني أحكامه على قاعدة «اليسر ودفع الضرر» يعطي للأمة في شخص أفرادها وهيئاتها هذا الحق، ويبيح لها أن تقترض بالربح تحقيقا لتلك المصالح، «ولا يكون ذلك إلا بالقدر المحتاج إليه، ولدفع الضرورة والحاجة، ولا يكون قرضًا إلا من جهة لا تضمر استغلالنا».

ومن الجدير بالذكر أن الشيخ محمود شلتوت كان يوافق في رأيه بعض أسلافه ومنهم الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، والشيخ عبد الوهاب خلاف، لكن الشيخ محمد أبو زهرة كان يعارضه في رأيه، وكان يحمل عليه حملة شعواء، وكان الشيخ محمود شلتوت يفرق في الحكم الشرعي بين الأسهم والسندات، حيث كان يرى أن الأسهم من «الشركات» التي أباحها الإسلام باسم المضاربة، وهي التي تتبع الأسهم فيها ربح الشركة وخسارتها، أما السندات وهي القرض بفائدة معينة فإنها لا تتبع الربح والخسارة، فالإسلام لا يبيحها إلا حيث دعت إليها الضرورة الواضحة التي تفوق أضرارها.

 

دوره في المجمعين العلميين الكبيرين

اختير الشيخ محمود شلتوت لعضوية مجمع اللغة العربية ضمن عشرة من الأعضاء الجدد المعينين (1946)، وكان من أصغر الأعضاء سنًا. وكان له جهد وافر في نشاط مجمع اللغة العربية مثل: مشاركته في لجنة القانون والاقتصاد، ولجنة للنظر في المصطلحات المتشابهة التي تستعمل في أكثر من علم، ولجنة لدراسة النحت، ولجنة ألفاظ الحضارة، ولجنة الأدب، ولجنة معجم ألفاظ القرآن الكريم، كما ألقي عدة بحوث وكلمات منها كلمة قيمة في تأبين الشيخ عبد الوهاب خلاف، وفي هيئة كبار العلماء بدأ الشيخ محمود شلتوت كفاحه (وعضويته أيضًا) بتقديم اقتراح جوهري يبعث في هذه الجماعة فيضًا من النشاط العقلي والحركة العلمية، ويحدد لها مناهج من العمل الدائب المستمر، وقد لخص الدكتور محمد رجب البيومي خطة الشيخ محمود شلتوت لبث الروح في جماعة كبار العلماء فيما يلي:

"أن يكون لجماعة كبار العلماء مكتب علمي دائم، وأن يجعل لهذا المكتب مكان معين معروف، شأن كل هيئة رسمية من الهيئات التي تعمل لأغراض خاصة".

أما مهمة هذا المكتب بعد إنشائه فهي ما يلي:

(أ) معرفة ما تُهاجم به الأديان عامة، والدين الإسلامي في عصرنا الحاضر، والرد عليه ردًا كافيًا مقنعًا بأسلوب ملائم لطريقة البحث الحديث.

(ب) بحث ما يحصل فيه الاختلاف بين علماء العصر من جهة أنه بدعة يجب تركها أو ليس كذلك، ووضع الأصول الكفيلة بتمييز ما هو بدعة مما ليس بدعة، والعمل على نشر ذلك ليرجع إليه الناس.

(جـ) العمل على وضع مؤلف يحتوي على بيان ما في الكتب المتداولة من الإسرائيليات التي دُست على التفسير، وأخذها الناس على أنها من معاني القرآن، والتي لا يدل على صحتها نقل، ولا يؤيدها عقل.

(د) إصدار الفتاوى في الاستفتاءات التي ترد من المسلمين في جميع الأقطار، إلى مشيخة الجامع الأزهر.

 (هـ) بحث المعاملات التي جدت وتجد في العصر الحاضر من جهة حكم الشريعة فيها، حتى يظهر للناس سعة صدر الشريعة وقدرتها على تلبية حاجات الناس في مختلف العصور.

 (و) تنظيم طرق الوعظ والإرشاد، والاتصال بالهيئات المعدة لذلك، كوزارة الشؤون الاجتماعية، والجمعيات الإسلامية في مختلف الأقطار.

(ز) التنقيب عن الكتب المفيدة في مختلف العلوم، والعمل على إحيائها وإخراجها إخراجًا علميًا متقنًا.

(حـ) الإشراف على مجلة الأزهر، والعمل على توجيهها في طريق تخدم به الحركة الفكرية الإسلامية، وتبرز به ثقافات الكليات الثلاث.

ويروي الدكتور محمد رجب البيومي أن لجنة برئاسة الشيخ عبد المجيد سليم قد تشكلت لدراسة اقتراح الشيخ شلتوت، لكن الدراسة لم تنته إلى خطوات إيجابية. وظل الشيخ محمود شلتوت حريصًا على تنفيذ أفكاره حتى أصبح شيخًا للأزهر، فعمل على إنشاء ما سمي بمجمع البحوث الإسلامية، وهو الصورة التي آلت إليها جماعة كبار العلماء، ليعطي الصورة القوية التي أرادها لهيئة كبار العلماء، فضلا عن توسيع عضوية المجمع، كي تشمل غير الأزهريين من أعلام الدين في العالم الإسلامي جميعه. ويبدو أن الشيخ شلتوت استحضر في ذهنه صورة مجمع اللغة العربية الذي كان عضوًا فيه منذ 1946 حين أنجز تحويل جماعة كبار العلماء إلى مجمع للبحوث الإسلامية.

 

فكرة التقريب بين المذاهب الإسلامية

ظل الشيخ محمود شلتوت يدعو إلى الحرية المذهبية الصحيحة المستقيمة على نهج الإسلام، وكان يرفض العصبية الضيقة، والتعصب الأعمى لمذاهب فقهية معينة، وكان الشيخ محمود شلتوت يتطلع إلى تحقيق هذه الوحدة من خلال فكرة التقريب بين المذاهب، وكان له نشاطه المتصل والمشهور في «جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية»، وكان يؤمن أن هذه الدعوة هي «دعوة التوحيد والوحدة، هي دعوة الإسلام والسلام وقد كان يقول: «لقد آمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم، وأسهمت منذ أول يوم في جماعتها، وفي وجوه نشاط دارها بأمور كثيرة»، ومن الجدير بالذكر أن جماعة "تقريب بين المذاهب"  كانت قد تألفت برياسة الزعيم الوطني والسياسي المخضرم محمد على علوبة باشا، وبتأييد الأستاذ الأكبر الإمام الشيخ محمد مصطفى المراغي، والأستاذ الأكبر الإمام الشيخ عبد المجيد سليم، والأستاذ الأكبر الإمام الشيخ مصطفي عبد الرازق، وقد دعت في برنامجها إلى نبذ الخلاف وتلافي الشقاق، وأكدت أن القرآن الكريم والسنّة المطهرة هما أساس الدين، فبهما تقررت قواعده، وإليهما يرجع المسلمون في كل شأن من شؤون الحياة.

وكان من نصيب الشيخ محمود شلتوت أن يقوم بالدعوة إلى الجماعة محاضرًا وكاتبًا، وخطيبًا، ومع ما عرف عن الشيخ من ميل إلى التقريب، فقد تعرض لهجوم الأستاذ الأكبر الشيخ مصطفي صبري شيخ الإسلام في الخلافة العثمانية عن فتواه فيما يتعلق بالمسيح، وكانت فتوى الشيخ محمود شلتوت فيما يتعلق بحكم مَنْ أنكر أن عيسى قد رُفع بجسمه إلى السماء، وأنه فيها حي إلى الآن، وأنه سينزل منها آخر الزمان، وكان الشيخ محمود شلتوت يرى أن مَنْ أنكر هذا لا يكون منكرًا لما ثبت بالدليل القطعي، فلا يخرج عن إسلامه وإيمانه، ولا ينبغي أن يحكم عليه بالردة، بل هو مسلم مؤمن ولا شبهة في إيمانه عند الله، أما الشيخ مصطفي صبري فقال: إن هذه الفتوى كتبت بروح قاديانية، وأن المسلمين في الهند سيحزنون لمَنْ ينصر القاديانية عليهم.

 

تفسيره للقرآن الكريم

يأتي تفسير الشيخ محمود شلتوت للقرآن الكريم في مقدمة الآثار العلمية للشيخ، وهو تفسير من نوع مختلف عن كتب التفسير الكلاسيكية إذ لم يسلك الشيخ فيه مسلك التفاسير التي تفسر القرآن آية آية، وإنما حرص على أن يكون تفسيره تفسيرًا عامًا يلجأ إلى إبراز جوهر كل سورة وما تهدف إليه، مفصلًا القول في بيان أبرز القضايا التي اشتملت عليها السورة، ومن الطريف أن الشيخ محمود شلتوت نشر تفسيره لكتاب الله من خلال جماعة التقريب، حيث نشر التفسير في حلقات متوالية على صفحات مجلة «رسالة الإسلام» وهي المجلة التي كانت لسان حال جماعة التقريب.

وقد حرص الشيخ محمود شلتوت في تفسيره للقرآن على أن يكون تفسيره مسايرًا لجماعة التقريب في طرح الخلافات المذهبية، التي حملت حملًا باطلًا على كتاب الله، بأن يكون التفسير تفسير المسلمين جميعًا، لا يتعصب لمذهب فقهي، ولا يميل إلى لون خاص من ألوان السياسة أو العقيدة الكلامية، كما ينجو من سطوات العلوم اللسانية من نحو وبلاغة، والعقلية من فلسفة ومنطق، ليجيء وضيء الدلالة، وقد اختص مشكلات عصره بمزيد من التحليل، دل على إيمانه بضرورة نزول الفقهاء والعلماء إلى الجمهور. وقد جُمعت الفصول التي كتبها الشيخ في التفسير بعد فترة في مجلد واحد بعنوان «تفسير القرآن الكريم» شمل ثلث القرآن فقط أي الأجزاء العشرة من القرآن الكريم فقط.

وقد دعا الشيخ محمود شلتوت في تفسيره للقرآن الكريم إلى ضرورة تجنب أمرين في التفسير وقع فيهما الكثيرون، وكان ينبغي أن يظل القرآن بعيدا عنهما:

– الأمر الأول هو استخدام آيات القرآن لتأييد الفرق والمذاهب في المجتمع الإسلامي، والتنافس في العصبيات السياسية والمذهبية، حيث امتدت توجهات أصحاب الفرق المختلفة لتصبغ تفسير آيات القرآن وتأويلها بما يتوافق مع مذاهبهم، أو يخرجونها عن بيانها الواضح لكيلا تصلح لمذاهب خصومهم، وبذلك جعلوا القرآن تابعًا بعد أن كان متبوعًا، ومحكومًا عليه بعد أن كان حاكمًا.

– أما الأمر الثاني الذي كان الشيخ محمود شلتوت يطالب بالنأي عنه فهو استنباط العلوم الكونية والمعارف النظرية الحديثة من القرآن، وكان يرى أن هذا اتجاه خاطئ في تفسير القرآن لعدة أسباب:

أولها: أن القرآن أنزله الله ليكون كتاب هداية للناس، وليس كتابًا يتحدث إليهم عن نظريات العلوم ودقائق الفنون وأنواع المعارف.

وثانيها: أن هذا الاتجاه يحمل أصحابه والمغرمين به على تأويل القرآن تأويلًا متكلفا يتنافى مع الإعجاز ولا يسيغه الذوق السليم.

وثالثها: أنه يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان، والعلوم لا تعرف الثبات، ولا القرار، ولا الرأي الأخير، فقد يصح اليوم في نظر العلم ما يصبح غدًا من الخرافات، فلو طبقنا القرآن على هذه المسائل العلمية المتقلبة لعرضناه للتقلب معها، وتحمل تبعات الخطأ فيها، ولأوقفنا أنفسنا بذلك موقفًا حرجًا في الدفاع عنه، وكان الشيخ محمود شلتوت يشير في هذا الصدد إلى حقيقة مهمة عبر عنها بقوله: «حسبنا أن القرآن لم يصادم -ولن يصادم- حقيقة من حقائق العلوم تطمئن إليها العقول».

 

وفاته

مرض الشيخ محمود شلتوت، ولكن المرض لم يؤثر على روحه المعنويَّة والنفسيَّة فظلت عالية، ولم يكن المرض سببًا في عدم أداء عمله، ثم استدعى هذا المرض أخيرًا تدخلًا جراحيًّا؛ فتم إجراء عمليَّة جراحيَّة له، وتمت بنجاح، واستبشر أحبابه وطلابه وأصدقاؤه خيرًا، ولكنها كانت خفقة السراج وصحوة الموت، فخرجت روحه إلى بارئها في مساء ليلة الجمعة (ليلة الإسراء والمعراج)، وأدَّى المصلون عليه صلاة الجنازة في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 1383هـ / الموافق 13 من ديسمبر سنة 1963م، رحمه الله رحمة واسعة، وأنزله منازل الأبرار.

 

آثاره العلمية

حظيت مؤلفات الشيخ محمود شلتوت بالانتشار الواسع في شتى أنحاء العالم العربي والإسلامي، ولا تزال حتى الآن يعاد طبعها على الرغم من إهمال الناشرين لقيمتها، ويكفي أن نذكر بعضها وقد طبع للمرة السادسة عشرة. ومن أشهر هذه المؤلفات: «الإسلام عقيدة وشريعة»، و«من توجيهات الإسلام» وهو نفسه الكتاب الذي كان عنوانه الفرعي «تصحيح بعض المفاهيم الدينية.. توضيح موقف الإسلام من بعض المشاكل.. الأخلاق الإسلامية، ضروب من العبادات»، ومن حق القارئ علينا أن نعرفه بأشهر كتب الشيخ محمود شلتوت بعد أن تحدثنا فيما سبق عن تفسيره للقرآن الكريم:

-فأما أشهر كتبه على الإطلاق فهو «الإسلام عقيدة وشريعة» وفيه يتحدث الشيخ محمود شلتوت عن أصول الإسلام، في العقيدة والتشريع، فيتكلم عن ذات الله وصفاته، وعن القضاء والقدر وعالم الغيب، والجبر والاختيار، ثم عن طريق ثبوت العقيدة في كتاب الله، وعن السنّة ومكانتها في الإسلام عقيدةً وتشريعًا، وعن الإجماع وثبوت العقيدة، وقد جاء بالجديد فيما أفاض فيه من حديث الأسرة زواجًا وطلاقًا ونسلًا وميراثًا، ومن حديث المال والحدود والقصاص، والمسؤولية الجنائية والمدنية، ومن حديث أسس الدولة في الإسلام، ومكانة الشورى وأولي الأمر، والتكافل الاجتماعي، والعلاقات الدولية.

أما كتابه «الفتاوى» فيتضمن مجموعة كبيرة من فتاويه تتميز بطابع خاص، هو الإحساس القوي بالحياة اليومية وبأحداثها، والعمق في فهم الإسلام وتطبيق مبادئه.

أما كتابه «من توجيهات الإسلام» فقد عالج فيه بعض البحوث الإسلامية التي رأي أن يتناولها بتفصيل وتبسيط حتى تصل إلى كل قارئ.

 

وللشيخ الشيخ محمود شلتوت بالإضافة إلى هذه الكتب المشهورة عدد من المؤلفات والرسائل والمحاضرات في علوم الشريعة:

– فقه القرآن والسنّة

– يسألون.

– حكم الشريعة في استبدال النقد بالهَدي.

– فصول شرعية اجتماعية.

– حكم الشريعة الإسلامية في تنظيم النسل.

– الإسلام والوجود الدولي للمسلمين

– القرآن والقتال

– تنظيم العلاقات الدولية في الإسلام.

وله من المؤلفات في التعريف بالإسلام:

– «هذا هو الإسلام».

– «عنصر الخلود في الإسلام».

– «الدعوة المحمدية».

– «المقارنة بين المذاهب».

وله من المؤلفات في القضايا الاجتماعية:

– «القرآن والتكافل الاجتماعي».

– «منهج القرآن في بناء المجتمع».

– «القرآن والمرأة».

– «أحاديث الصباح».

وله أيضا بحوث أخرى أهمها:

– «المسؤولية المدنية والجنائية في الشريعة الإسلامية» وهو البحث الذي نال به عضوية جماعة كبار العلماء.

– «الإسلام والعلاقات الدولية في السلم والحرب».

وبالإضافة إلى هذا كله فإن للشيخ محمود شلتوت مجموعة من الأحاديث الإذاعية لا تزال تذاع حتى الآن، وقد تميز الشيخ محمود شلتوت في أحاديثه الإذاعية بالبيان الناصع، والقدرة على تبسيط الأفكار، وتناول الفلسفات تناولًا سهلًا حبب الناس في الاستماع إليه بصوته الجهوري المميز، ودفعهم إلى قراءة آثاره الفكرية.

______________

المصادر:

  1. محمد الجوادي، الشيخ محمود شلتوت الذي أضاء النور الأزهر في الليل الشيوعي، 2 يونيو 2019، https://2u.pw/2xjsVXhb
  2. الشيخ محمود محمد شلتوت، هيئة كبار العلماء، https://2u.pw/sJqkBjXD
  3. عمر عبد الرحيم، الشيخ محمود شلتوت شيخ الازهر: حياته الدعوية وموقفه من مسألة التقريب بين السنة والشيعة، مجلة كلية الدراسات الإسلامية والعربية، جامعة الأزهر، 2016، العدد 33، جزء 2، ص: 1549 – 1655.

طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية "كريم خان" يوم الاثنين 20 مايو 2024، إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت وثلاثة من قادة حماس بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة وجرائم ضد الإنسانية.

وفيما يلي بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بعنوان "طلبات لإصدار أوامر قبض:

اليوم، أقدم طلبات للدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة الجنائية الدولية لإصدار أوامر قبض فيما يتصل بالقضية في دولة فلسطين.

 

يحيى السنوار، ومحمد دياب إبراهيم المصري (ضيف)، وإسماعيل هنية.

استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد بأن يحيى السنوار (رئيس حركة المقاومة الإسلامية (’’حماس‘‘) في قطاع غزة)، ومحمد دياب إبراهيم المصري، المشهور باسم ضيف (القائد الأعلى للجناح العسكري لحماس، المعروف باسم كتائب القسام)، وإسماعيل هنية (رئيس المكتب السياسي لحماس) يتحملون المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التالية المرتكبة في أراضي إسرائيل ودولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتبارا من السابع من أكتوبر 2023 على الأقل:

الإبادة باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ب) من نظام روما الأساسي.

والقتل العمد باعتباره جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (أ)، وباعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1).

وأخذ الرهائن باعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (3).

والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي باعتبارها جرائم ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ج)، وباعتباره أيضًا.

جريمة حرب عملا بالمادة 8 (2) (ه) (6) في سياق الأَسر.

والتعذيب باعتباره جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (و)، وباعتباره أيضا جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)، في سياق الأَسر.

وأفعال لاإنسانية أخرى باعتبارها جريمة ضد الإنسانية، بما يخالف المادة 7 (1) (ك)، في سياق الأَسر.

والمعاملة القاسية باعتبارها جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)، في سياق الأسر.

والاعتداء على كرامة الشخص باعتباره جريمة حرب، بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (2)، في سياق الأَسر.

ويدفع مكتبي بأن جرائم الحرب المـُدّعى بها في هذه الطلبات ارتُكِبت في إطار نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس دائرين بالتوازي. وندفع بأن الجرائم ضد الإنسانية التي وُجِّه الاتهام بها قد ارتكبتها حماس وجماعات مسلحة أخرى في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين في إسرائيل عملًا بسياسات التنظيم. وبعض هذه الجرائم مستمرة، في تقديرنا، إلى يومنا هذا.

ويدفع مكتبي بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن السنوار وضيف وهنية يتحملون المسؤولية الجنائية عن مقتل مئات من المدنيين الإسرائيليين في هجمات ارتكبتها حماس (ولا سيما جناحها العسكري، كتائب القسام) وجماعات مسلحة أخرى في السابع من أكتوبر 2023 وأخذ ما لا يقل عن 245 من الرهائن. وفي إطار تحقيقاتنا، أجرى مكتبي مقابلات مع مجني عليهم وناجين، من بينهم رهائن سابقون وشهود عيان في ستة مواقع رئيسية شهدت الهجمات، وهي: كفر عزة، وحوليت، وموقع مهرجان سوبرنوفا الموسيقي، وبئيري، ونير عوز، ونحال عوز. ويعتمد التحقيق أيضا على أدلة من قبيل تسجيلات الدوائر التلفزيونية المغلقة، ومواد مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ثبتت صحتها، وبيانات أدلى بها أعضاء من حماس بأنفسهم، ومن بينهم من يُدّعى بارتكابهم الجرائم المتقدم ذكر أسمائهم، وشهادة الخبراء.

ويرى مكتبي أن هؤلاء الأشخاص خططوا لارتكاب الجرائم في السابع من أكتوبر 2023 وحرضوا على ارتكابها، كما أنهم بأفعالهم، التي شملت زيارات أجروها بأنفسهم إلى الرهائن بُعَيد اختطافهم، أقروا بتحملهم المسؤولية عن هذه الجرائم. وندفع بأن هذه الجرائم ما كان لها أن تُرتكب لولا أفعالهم. ويُوَجه الاتهام إليهم باعتبارهم مشاركين في ارتكاب الجرائم وباعتبارهم رؤساء عملا بالمادتين 25 و28 من نظام روما الأساسي.

وفي أثناء الزيارة التي أجريتُها بنفسي إلى كيبوتس بئيري وكيبوتس كفر عزة، وكذلك إلى موقع مهرجان سوبرنوفا الموسيقي في رعيم، شاهدتُ مشاهد الدمار التي خلفتها هذه الهجمات والأثر البالغ الذي أحدثته هذه الجرائم التي يأباها الضمير والتي وُجِّه الاتهام بارتكابها في الطلبات المقدمة اليوم. وفي حديثي مع الناجين، سمعتُ كيف أن الحب بين أفراد الأسرة، وأعمق الأواصر التي تجمع بين الآباء والأبناء، شوّهتِ بغية إلحاق الألم بالناس بقسوة مدروسة وغلظة مفرطة بشكل لا سبيل لاستيعابه. وهذه الأفعال تستوجب المساءلة.

ويدفع مكتبي أيضًا بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن الرهائن الذين أُخِذوا من إسرائيل قد احتُجزوا في ظروف لاإنسانية وأن بعضهم تعرض للعنف الجنسي، بما ذلك الاغتصاب، وهم قيد الأسر. وقد خلصنا إلى هذا الاستنتاج بناء على سجلات طبية، وتسجيلات مرئية ومستندات من الفترة الزمنية ذاتها، ومقابلات مع المجني عليهم والناجين. ويواصل مكتبي أيضا التحقيق في التقارير التي تفيد بارتكاب أعمال عنف جنسي في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر.

وأود أن أعرب عن امتناني للناجين وأسر المجني عليهم في هجمات السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، لأنهم تحلوا بالشجاعة وتقدموا للأدلاء بشاهداتهم لمكتبي. وما زلنا نركز على تعميق تحقيقاتنا بشأن جميع الجرائم التي ارتُكِبت في إطار هذه الهجمات وسنواصل العمل مع كل الشركاء لضمان تحقيق العدالة.

وأكرر مطالبتي بالإفراج الفوري عن كل الأسرى الذين أُخذوا من إسرائيل وبرجوعهم سالمين إلى أُسرهم. وهذا شرط أساسي يقتضيه القانون الدولي الإنساني.

 

بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت

استنادا إلى الأدلة التي جمعها مكتبي وفحصها، لدي أسباب معقولة للاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، ويوآف غالانت، وزير الدفاع في إسرائيل، يتحملان المسؤولية الجنائية عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التالية التي ارتُكبت على أراضي دولة فلسطين (في قطاع غزة) اعتبارا من الثامن من أكتوبر 2023 على الأقل:

تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ب) (25) من نظام روما الأساسي؛

وتعمد إحداث معاناة شديدة، أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة بما يخالف المادة 8 (2) (أ) (3) أو المعاملة القاسية

باعتبارها جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1)؛

والقتل العمد بما يخالف المادة 8 (2) (أ) (1)، أو القتل باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ج) (1).

وتعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين باعتباره جريمة حرب بما يخالف المادة 8 (2) (ب) (1)، أو المادة 8 (2) (ه) (1).

والإبادة و/أو القتل العمد بما يخالف المادتين 7 (1) (ب) و7 (1) (أ)، بما في ذلك في سياق الموت الناجم عن التجويع، باعتباره جريمة ضد الإنسانية.

والاضطهاد باعتباره جريمة ضد الإنسانية بما يخالف المادة 7 (1) (ح).

وأفعال لاإنسانية أخرى باعتبارها جرائم ضد الإنسانية بما يخالف المادة 7 (1) (ك).

ويدفع مكتبي بأن جرائم الحرب المـُدّعى بها في هذه الطلبات قد ارتُكِبت في إطار نزاع مسلح دولي بين إسرائيل وفلسطين، ونزاع مسلح غير دولي بين إسرائيل وحماس (بالإضافة إلى جماعات مسلحة فلسطينية أخرى) دائرين بالتوازي. وندفع بأن الجرائم ضد الإنسانية التي وُجِّه الاتهام بها قد ارتُكِبت في إطار هجوم واسع النطاق ومنهجي ضد السكان المدنيين الفلسطينيين عملًا بسياسة الدولة. وهذه الجرائم مستمرة، في تقديرنا، إلى يومنا هذا.

ويدفع مكتبي بأن الأدلة التي جمعناها، والتي شملت مقابلات مع ناجين وشهود عيان، ومواد مرئية وصورا فوتوغرافية ومواد مسموعة ثبتت صحتها، وصورًا ملتقطة بالأقمار الصناعية، وبيانات أدلت بها المجموعة التي يـُدَّعى بأنها ارتكبت الجرائم، تثبت أن إسرائيل تعمدت حرمان السكان المدنيين في كل مناطق غزة بشكل منهجي من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم الإنساني.

وقد حدث ذلك من خلال فرض حصار كامل على غزة تضمن الإغلاق التام للمعابر الحدودية الثلاثة، وهي رفح وكرم أبو سالم وبيت حانون، اعتبارًا من الثامن من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 ولفترات مطوّلة ثم التقييد التعسفي لنقل الإمدادات الأساسية – بما في ذلك الطعام والدواء – من خلال المعابر الحدودية بعد إعادة فتحها. وشمل الحصار أيضًا قطع أنابيب المياه العابرة للحدود من إسرائيل إلى غزة – وهي المصدر الرئيسي للمياه النظيفة التي يحصل عليها الغزيون – لفترة طويلة بدأت من التاسع من أكتوبر 2023؛ وقطع إمدادات الكهرباء ومنعها اعتبارا من الثامن من أكتوبر 2023 عل الأقل وحتى اليوم. وقد وقع ذلك إلى جانب هجمات أخرى ضد المدنيين، بما في ذلك هجمات على أولئك الذين اصطفوا للحصول على الطعام، وإعاقة توصيل الوكالات الإنسانية للمساعدات، وشن هجمات على عمال الإغاثة وقتلهم، مما أجبر الكثير من الوكالات على إيقاف أعمالها في غزة أو تقييدها.

ويدفع مكتبي بأن هذه الأفعال قد ارتُكبت في إطار خطة مشتركة لاستخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب وأعمال عنف أخرى ضد السكان المدنيين في غزة كوسيلة (1) للتخلص من حماس، (2) ولضمان عودة الرهائن الذين اختطفهم حماس، (3) ولإنزال العقاب الجماعي بالسكان المدنيين في غزة الذين رأوا فيهم تهديدا لإسرائيل.

إن استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، مقرونًا بهجمات أخرى وبالعقاب الجماعي للسكان المدنيين في غزة، كانت له آثار حادة وظاهرة للعيان ومعروفة على نطاق واسع، وقد أكدها شهود عديدون أجرى مكتبي مقابلات معهم، ومن بينهم أطباء محليون ودوليون. وشملت هذه الآثار سوء التغذية والجفاف والمعاناة البالغة وتزايد أعداد الوفيات بين السكان الفلسطينيين، ومن بينهم الأطفال الرضع، والأطفال الآخرون، والنساء.

وقد ظهرت المجاعة في بعض مناطق من غزة وأوشكت على الظهور في مناطق أخرى. وكما حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش منذ أكثر من شهرين: ’’ يواجه 1.1 مليون إنسان في غزة الجوع على نحو كارثي – وهو أعلى رقم من الناس سبق تسجيله – في أي مكان وفي أي زمان‘‘ وذلك نتيجة لـ ’’كارثة لم يصنعها سوى البشر‘‘. واليوم، يسعى مكتبي إلى توجيه الاتهام إلى اثنين من الذين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية، وهما نتنياهو وغالانت، لمشاركتهما في ارتكاب الجرائم ولكونهما رئيسين عملا بالمادتين 25 و28 من نظام روما الأساسي.

ولإسرائيل الحق في اتخاذ إجراءات للدفاع عن سكانها، شأنها في ذلك شأن الدول كلها. إلا أن هذا الحق لا يُعفي إسرائيل أو أي دولة من التزامها بالانصياع للقانون الدولي الإنساني. وبغض النظر عن أي أهداف عسكرية قد تكون لدى إسرائيل، فإن الأساليب التي اختارتها لتحقيق هذه الأهداف في غزة – وهي تعمد التسبب في الموت والتجويع والمعاناة الشديدة وإلحاق الإصابات الخطيرة بالجسم أو بالصحة بالسكان المدنيين – تُعدّ أساليب إجرامية.

وقد أكدتُ منذ العام الماضي، من رام الله ومن القاهرة ومن إسرائيل ومن رفح، تأكيدًا ثابتًا على أن القانون الدولي الإنساني يستوجب أن تتخذ إسرائيل إجراء عاجلًا للسماح الفوري بدخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى غزة. وأكدتُ خصوصًا على أن استخدام التجويع كأسلوب من أساليب الحرب والحرمان من الإغاثة الإنسانية يشكلان أفعالًا جرمية بموجب نظام روما الأساسي. وقد كنتُ واضحا بما فيه الكفاية.

وكما أكدتُ مرارا في بياناتي العلنية كذلك، إن الذين لا ينصاعون للقانون ينبغي ألا يضجوا بعدئذ بالشكوى عندما يتخذ مكتبي إجراءات. وقد آن الأوان لذلك.

إن مكتبي بتقديمه هذه الطلبات لإصدار أوامر قبض يتصرف عملًا بولايته بموجب نظام روما الأساسي. ففي الخامس من فبراير 2021، قررت الدائرة التمهيدية الأولى أن المحكمة تستطيع ممارسة اختصاصها الجنائي في الحالة في دولة فلسطين وأن النطاق المكاني لذلك الاختصاص يشمل غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وهذه الولاية سارية وتشمل تصعيد الأعمال العدائية والعنف منذ السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر 2023. ولمكتبي أيضا الاختصاص فيما يتعلق بالجرائم التي يرتكبها رعايا الدول الأطراف ورعايا الدول غير الأطراف على أراضي دولة من الدول الأطراف.

وتُعدّ الطلبات المقدمة اليوم نتاجًا للتحقيق المستقل والمحايد الذي يجريه مكتبي. وقد عمل مكتبي باجتهاد ليفصل بين الادعاءات والحقائق، وليقدم الاستنتاجات باتزان إلى الدائرة التمهيدية استنادا إلى الأدلة، مسترشدا بالتزامنا بالتحقيق في أدلة التجريم والتبرئة على حد سواء.

وأنا ممتن كذلك لنصيحة من لجنة من الخبراء في القانون الدولي، كإجراء احترازي إضافي، وهم مجموعة من الخبراء المحايدين الذين جمعتُهم لتقديم الدعم في مراجعة الأدلة والتحليل القانوني فيما يتصل بطلبات إصدار أوامر القبض هذه. وتتألف اللجنة من خبراء ذوي مكانة رفيعة في القانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي، ومن بينهم السير أدريان فولفورد الحائز على شهادة ’’بي سي‘‘، وهو مستشار محكمة الاستئناف سابقا والقاضي السابق في المحكمة الجنائية الدولية؛ والبارونة هيلينا كينيدي الحاصلة على لقب ’’كي سي‘‘، وهي رئيسة معهد حقوق الإنسان التابع لنقابة المحامين الدولية؛ وإليزابيث ويلمشورست الحاصلة على لقب ’’سي إم جي‘‘ ولقب ’’كي سي‘‘، وهي نائبة المستشار القانوني لوزارة الخارجية والكومنولث البريطانية سابقا؛ وداني فريدمان الحاصل على لقب ’’كي سي‘‘؛ واثنان من مستشاريّ الخاصين – وهما أمل كلوني وسعادة القاضي ثيودور ميرون الحاصل على لقب ’’سي إم جي‘‘. وقد أيّد هذا التحليل المستقل الذي قدمه الخبراء الطلبات التي قدمها مكتبي اليوم وعززها. وأنا ممتن أيضًا لما قدمه عدد من مستشاريّ الخاصين الآخرين من إسهامات في هذه المراجعة، ولا سيما أداما ديينغ والأستاذ الدكتور كيفين جون هيلر.

واليوم نؤكد مرة أخرى على أن القانون الدولي وقوانين النزاعات المسلحة تنطبق على الجميع. وليس لجندي من المشاة أو لقائد أو لزعيم مدني – أو لأي شخص – أن يفلت من العقاب على تصرفاته. ولا يمكن تبرير تعمد حرمان البشر، بمن فيهم كثير جدًا من النساء والأطفال، من الضروريات الأساسية اللازمة للحياة. ولا يمكن تبرير أخذ الرهائن أو استهداف المدنيين.

ولقضاة المحكمة الجنائية الدولية المستقلين وحدهم الحكم فيما إذا كان المعيار اللازم لإصدار أوامر قبض قد استوفي. فإن وافقوا على طلباتي وأصدروا الأوامر المطلوبة، سأعمل حينئذ عن كثب مع مسجل المحكمة باذلًا كل جهدي للقبض على الأفراد المذكورة أسماؤهم. وأعوّل على كل الدول الأطراف في نظام روما الأساسي في أن يتعاملوا مع هذه الطلبات والقرار القضائي الذي سيترتب عليها بالجدية نفسها التي أبدوها في الحالات الأخرى، وأن يوفوا بالتزاماتهم بموجب النظام الأساسي. وأقف كذلك على أهبة الاستعداد للعمل مع الدول غير الأطراف في سعينا المشترك نحو تحقيق المساءلة.

ومن الحاسم الآن أن يُسمح لمكتبي ولكل أجزاء المحكمة، بمن فيهم قضاتها المستقلون، بالاضطلاع بعملهم باستقلال تام وحيادية تامة. وأصر على الإيقاف الفوري لكل محاولات عرقلة مسؤولي هذه المحكمة أو إرهابهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق. ولن يتردد مكتبي في التصرف عملا بالمادة 70 من نظام روما الأساسي إذا استمر هذا السلوك.

وما زلت أشعر بالقلق العميق إزاء الجرائم الدولية المستمرة، وما يظهر من الأدلة عليها، التي يُدّعى بارتكابها في إسرائيل وغزة والضفة الغربية. وسيستمر تحقيقنا. ويعزز مكتبي عدة مسارات إضافية ومترابطة للتحقيق بشأن جملة أمور من بينها ما ورد من وقوع عنف جنسي في خلال الهجمات التي شُنّت في السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر وفيما يتعلق بالقصف واسع النطاق الذي تسبب، وما زال يتسبب، في قتل وإصابة أعداد كبيرة جدا من المدنيين، وفي معاناتهم، في غزة. وأحث أولئك الذين لديهم معلومات ذات صلة على الاتصال بمكتبي وتقديم المعلومات عبر رابط مكتب المدعي العام (’’OTP Link‘‘).

ولن يتردد مكتبي في تقديم المزيد من طلبات إصدار أوامر القبض إذا ارتأينا استيفاء الحد الأدنى لإمكانية الإدانة استيفاءً واقعيا. وأجدد مناشدتي لجميع الأطراف في النزاع الدائر بأن يمتثلوا للقانون الآن.

وأود أن أؤكد أيضًا على أن مكتبي سيستمر في تقييم مبدأ التكامل، الذي هو لب نظام روما الأساسي، لدى اتخاذنا إجراءات فيما يتصل بالجرائم المـُدّعى ارتكابها المدرجة فيما تقدم وبمرتكبيها المذكورة أسماؤهم وسيرنا قدما في مسارات التحقيق الأخرى. ولكن التكامل لا يتطلب التنازل عن التحقيق للسلطات الوطنية إلا إذا عكفت هذه السلطات على إجراء عمليات قضائية مستقلة ومحايدة لا تحمي المشتبه فيهم وغير مزيفة. ويتطلب ذلك إجراء تحقيقات وافية على جميع المستويات تتناول السياسات والأفعال التي تستند إليها هذه الطلبات.

ولنكن واضحين اليوم بشأن مسألة جوهرية: لو لم نُظهر استعدادنا لتطبيق القانون على قدم المساواة، ولو بدا أنه يُطبق تطبيقا انتقائيًا، فإننا سنتيح الظروف المواتية لانهياره. وسنحل بذلك ما بقي من الروابط التي تجمعنا، والصلات التي تثبت الأواصر بين المجتمعات المحلية والأفراد، وشبكة الأمان التي يتطلع إليها كل المجني عليهم في أوقات المعاناة. إن هذه لهي المخاطرة الحقيقية التي نواجهها في هذه اللحظة.

ولا بد من أن نبرهن جميعًا الآن، أكثر من أي وقت مضى، على أن القانون الدولي الإنساني، وهو قاعدة الأساس التي يرتكز عليها السلوك الإنساني في خلال النزاعات، ينطبق على كل الأفراد وينطبق بالتساوي عبر جميع الحالات التي يتصدى لها مكتبي والتي تتصدى لها المحكمة. وهذه هي الطريقة التي سنثبت بها إثباتًا ملموسًا أن كل البشر تتساوى حياتهم في قيمتها.

_____________

المصدر: بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان: طلبات لإصدار أوامر قبض في الحالة في دولة فلسطين، المحكمة الجنائية الدولية، 20 مايو 2024، https://2u.pw/mRELPbBe

أصدرت محكمة العدل الدولية قرارا يطالب إسرائيل بالوقف الفوري لهجومها العسكري على رفح وأي عمل آخر في المحافظة الواقعة جنوب غزة، قد يفرض على المجموعة الفلسطينية في القطاع ظروفا معيشية يمكن أن تؤدي إلى تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا.

وأصدرت المحكمة أمرها اليوم بناء على طلب قدمته جنوب أفريقيا لتعديل أمر المحكمة الصادر في 28 أذار/مارس 2024 بإصدار مزيد من التدابير المؤقتة الإضافية في سياق اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية في غزة.

وأكدت المحكمة في قرارها مجددًا على التدابير المؤقتة المشار إليها في الأمرين الصادرين في 26 كانون الأول/يناير 2024 و28 آذار/مارس 2024، مطالبة بتنفيذ هذا القرار على الفور وبشكل فعال.

وطالبت المحكمة كذلك بإبقاء معبر رفح مفتوحا أمام توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية المطلوبة بشكل عاجل على نطاق واسع لصالح السكان.

وطلب قرار المحكمة اتخاذ تدابير فعالة لضمان الوصول دون عوائق إلى قطاع غزة لأي لجنة تحقيق أو بعثة لتقصي الحقائق أو أي هيئة تحقيق أخرى مفوضة من قبل الأجهزة المختصة التابعة للأمم المتحدة للتحقيق في ادعاءات الإبادة الجماعية.

وقررت محكمة العدل الدولية في قرارها أيضا أن تقدم إسرائيل إلى المحكمة تقريرًا بشأن جميع التدابير المتخذة لتنفيذ هذا القرار خلال شهر من تاريخ إصداره.

 

مخاطر هائلة

وقالت المحكمة في قرارها إن الوضع الإنساني الكارثي في قطاع غزة، والذي ذكر قرارها الصادر في كانون الثاني/يناير 2024 إنه معرض لخطر التدهور الشديد، قد تدهور بل وتفاقم ذلك منذ اعتمدت المحكمة قرارها الأخير في آذار/مارس الماضي.

وتضمن القرار الصادر اليوم الإشارة إلى التطورات الأخيرة في غزة بما فيها العملية العسكرية البرية في رفح التي بدأتها إسرائيل في أيار/مايو. ورأت المحكمة أن تلك التطورات خطيرة بشكل استثنائي وتشكل "تغييرا للوضع" في إطار ما تنص عليه المادة 76 من لائحة المحكمة.

وأشارت إلى أن التدابير المؤقتة الإضافية التي تضمنها قرار المحكمة الصادر في آذار/مارس لا تعالج بشكل كامل العواقب الناشئة عن تغير الوضع، الأمر الذي يبرر تعديل تلك التدابير. وأوضحت المحكمة كذلك أنه على أساس المعلومات المعروضة عليها، فإن المخاطر الهائلة المرتبطة بالهجوم العسكري في رفح، بدأت تتحقق وستتكثف بشكل أكبر إذا استمرت العملية.

وأعربت المحكمة في قرارها عن عدم قناعتها بأن جهود الإخلاء والإجراءات المرتبطة بها التي تؤكد إسرائيل أنها تتخذها لتعزيز أمن المدنيين في قطاع غزة، وخصوصا أولئك الذين نزحوا مؤخرًا من محافظة رفح، كافية للتخفيف من وطأة الخطر الهائل الذي يتعرض له السكان الفلسطينيون نتيجة الهجوم العسكري في رفح.

 

تعليق الأمين العام

قال المتحدث باسم الأمم المتحدة إن الأمين العام أنطونيو غوتيريش أحيط علما بقرار محكمة العدل الدولية اتخاذ تدابير مؤقتة إضافية في سياق اتهام جنوب أفريقيا لإسرائيل بانتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية في غزة.

وأشار الأمين العام إلى أنه بموجب مـيثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فإن قراراتها ملزمة. وأكد أنه على ثقة من أن الأطراف سوف تمتثل على النحو الواجب لأمر المحكمة.

كما أشار إلى ما أكدت عليه المحكمة من قلق بشأن مصير الرهائن الذين اختطفوا أثناء هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، ممن ما زالوا في الأسر، ودعوة المحكمة للإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.

وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة أنه وفقا للنظام الأساسي للمحكمة، سيحيل الأمين العام الإخطار بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة إلى مجلس الأمن.

 

معلومات عن المحكمة

محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وتتولى المحكمة الفصل طبقا لأحكام القانون الدولي في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، وتقديم آراء استشارية بشأن المسائل القانونية التي قد تحيلها إليها أجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة.

ومحكمة العدل الدولية هي جهاز أممي منفصل عن المحكمة الجنائية الدولية -التي لا تتبع الأمم المتحدة- والتي تأسست عام 2002، لمحاكمة المتهمين بأخطر الجرائم، وضمان وصول الضحايا إلى العدالة، وإجراء محاكمات عادلة، واستكمال عمل المحاكم الوطنية.

____________

المصدر:

محكمة العدل الدولية تصدر أمرا بالوقف الفوري للهجوم العسكري الإسرائيلي على رفح، موقع الأمم المتحدة، 24 مايو 2024، https://2u.pw/6hcAF07w

يحتاج الحديث عن الدكتور محمد إقبال (9 نوفمبر ١٨٧٧ – 21 أبريل ۱۹۳۸م) إلى اختصاصيين في اللغات الأردية والفارسية والإنجليزية، وفي الفلسفة والشعر والسياسة والعقيدة، ليتمكنوا من الإحاطة بجوانب عبقريته؛ حيث إن إقبال من الشخصيات التي لاقت اهتمامًا عظيمًا، وكُتبت عنها كتابات كثيرة في العصر الحديث، ليس على صعيد العالم الإسلامي فحسب، بل في شتى أروقة الثقافة العالمية. يقول عنه الشيخ أبو الحسن الندوي ( ١٣٣٣ - ١٤٢٠هـ/ ١٩١٤_١٩٩٠) "لا أعرف شخصية ولا مدرسة فكرية في العصر الحديث تناولها الكتاب والمؤلفون والباحثون مثلما تناولوا هذا الشاعر العظيم". ونجد إقبال يتحدث عن نفسه، فيقول: إن جسدي زهرة من حبة كشمير، وقلبي في حرم الحجاز، وأنشودتي من شيرازه. هذا التنوع في الأصل والفكر والشعور أوجد هذا الخليط المتنوع الرائع من الأفكار والمعرفة عند هذه الشخصية المتميزة".

حياته

هو إقبال ابن الشيخ نور محمد، كان أبوه يكنى بالشيخ تتهو، أي الشيخ ذي الحلقة بالأنف، ولد في سيالكوت إحدى مدن البنجاب الغربية [الهند]. في الثالث من ذي القعدة ١٣٩٤هـ الموافق ٩ من تشرين أول نوفمبر ۱۸۷۷م وهو المولود الثاني من الذكور بين إخوته. ويعود أصل إقبال إلى أسرة برهمية حيث كان أسلافه ينتمون إلى جماعة محترمة من اليانديت في كشمير، واعتنق أحد أجداده الإسلام في عهد السلطان زين العابدين بادشاه (٨٢٤ - ٨٧٨هـ/ ١٤٢١ - ١٤٧٣م) قبل حكم الملك المغولي الشهير «أكبر». ونزح جد إقبال إلى سيالكوت التي نشأ فيها إقبال، ودرس اللغة الفارسية والعربية إلى جانب لغته الأم الأردية، ثم رحل إلى أوروبا وحصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة ميونخ في ألمانيا عام (١٣٢٦ هـ / ١٩٠٨م).

وفي أوروبا كان أينما حل يحاول أن ينشر صورة صحيحة عن الإسلام، وقد أثر بأسلوبه البليغ وبشعره البديع في العديد من الشخصيات الشهيرة، ومنهم موسوليني (١٣٠٠ - ١٣٦٤ هـ / ١٨٨٣ - ١٩٤٥م)؛ الذي وجه له دعوة لزيارة إيطاليا، والتي لباها إقبال فيما بعد، وألقى محاضرة متميزة في روما، وضح فيها الفرق بين كل من الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية، وأوضح أن سبب تأخر المسلمين بعد أن كانوا دائما في الصدارة هو بعدهم عن صحيح الدين الإسلامي، وذكر الحضور بعظم الحضارة الإسلامية التي يقي أثرها واضحا جليا في الحضارة الأوروبية الحديثة.

وفي زيارته لإسبانيا عام (١٣٥١ هـ/ ١٩٣٢م) حرص على زيارة المعالم الإسلامية، وذرف الدمع العزير أمام جامع قرطبة، متذكرًا - بمشاعر شاعر مؤمن- ثمانية قرون من الحضارة الإسلامية العظيمة. والجدير بالذكر أنه رفض الدعوة الفرنسية لزيارة مستعمراتها في شمال أفريقيا، وأبى أن يصلي في مسجد باريس موضحًا أن صلاته ثمن بخس لشهداء طرابلس الشام.

وقد نالت مصر إعجاب العلامة إقبال، وقام بزيارته الأولى لها وهو في طريقه إلى إنجلترا عام (١٣٢٣هـ/ ١٩٠٥م). وبعد حوالي ستة وعشرين عامًا قام بزيارته الثانية لمصر عام (١٣٥٠هـ/ ١٩٣١م)، وقام بمقابلة العلماء والأدباء ورجال الدولة فيها؛ حيث استقبل استقبالًا رسميًا مهيبًا وقام بزيارة القاهرة والإسكندرية وظل يذكر زيارته هذه إلى مصر في مجالسه حتى آخر أيامه. ومن أشعاره التي نظمها في مديح مصر ما قاله في ديوانه الهدية الحجاز»:

رياح البيد وافيني وسيري عُبَاب النيل في خَفْق أَثِيرِي

وأدي القَوْلَ عَنْ عُمرٍ فقولي كُنِ السُّلْطَانَ يَعْرَفُ بِالفَقِيرِ

وبعد عودة إقبال إلى وطنه في شهر يوليو سنة (١٩٠٨م/ ١٣٢٦هـ)، بعد أن قضى في أوروبا ثلاث سنوات لم تغير من أخلاقه شيئًا بل أفادته في التدريب على منهج البحث والإلمام بالفلسفة الغربية. وشعر إقبال بأنه خلق للأدب الرفيع والشعر البديع، فأخذ ينظم الشعر، ويخط النشر الذي صار فيما بعد كنوزًا توارثتها الأجيال. وعلى عكس الشعراء والفلاسفة لم يرتقْ إقبال برجًا عاجيًا، بل كان وثيق الصلة بأحداث المجتمع الهندي حتى أصبح رئيسًا لحزب العصبة الإسلامية في الهند ثم العضو البارز في مؤتمر الله أباد التاريخي عام (١٣٤٩هـ / ١٩٣٠م) حيث نادي بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس، ورأى ضرورة تأسيس دولة إسلامية، واقترح لها اسم باكستان. وتوفي عام (١٣٥٧هـ / ١٩٣٨م) بعد أن ملأ الآفاق بشعره البليغ وفلسفته العالية. وقد غنت له أم كلثوم إحدى قصائده، وهي "حديث الروح»، وبسبب روائعه من الشعر الصوفي استحق بجدارة أن يسمى شاعر الإسلام.

 

مؤلفاته:

الشعر

(1) الدواوين المنظومة باللغة الأردية

(۱) بانگ درا (صلصلة الجرس) ١٩٢٤م.

(۲) بال جبریل (جناح جبريل ) ١٩٣٦م.

(۳) ضرب کلیم (شريعة موسى) ۱۹۳۷م.

(ب) الدواوين المنظومة باللغة الفارسية

(۱) اسرار خودي (أسرار الذات) ١٩١٥م.

(۲) رموز بيخودي (أسرار نفي الذات) ۱۹۱۸م.

(۳) پیام مشرق (رسالة الشرق) ١٩٢٣م.

(٤) زبور عجم (أناشيد فارسية) ۱۹۲۹م.

(۵) جاوید نامه (رسالة الخلود) ۱۹۳۲م.

(1) مسافر (المسافر) ١٩٣٦.

(۷) پس چه باید کرد اى اقوام مشرق (ماذا يجب أن تعمل يا أم الشرق؟) ١٩٣٦م.

(۸) ارمغان حجاز (هدية الحجاز) ۱۹۳۸

(۹) سرود رفته (أنشودة الماضي) ١٩٥٩م.

 

النثر:

(1) علم الاقتصاد (باللغة الأردية) ١٩٠٣م.

(۲) تطور ما وراء الطبيعة في فارس رسالة الدكتوراه، باللغة الإنجليزية (١٩٠٨م).

(۳) تجديد الفكر الديني في الإسلام (باللغة الإنجليزية) ١٩٣٠م.

(٤) رسائل إقبال إلى محمد علي جناح ١٩٤٤م (باللغة الأردية، طبعت بعد وفاته).

(5) خطب إقبال وبياناته ١٩٤٤م (باللغة الأردية، طبعت بعد وفاته).

________________

المصدر: جزء مستل بتصرف واختصار من تقديم أ. الشيماء الدمرداش العقالي لكتاب محمد إقبال، تجديد الفكر الديني في الإسلام، ترجمة محمد يوسف عدس، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 2011.

جريمة التجويع

نيسان/أبريل 20, 2024

تعُرَّف جريمة الحرب المتمثلة في التجويع في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها: «استخدام تجويع المدنيين وسيلةً من وسائل الحرب عمدًا من خلال حرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك تعمد إعاقة إمدادات الإغاثة على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف»، ولا تشمل المواد التي لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة الغذاء فحسب، بل تشمل أيضًا الماء والدواء والمأوى. ولا يعد موت الأفراد جوعًا شرطًا لتحقق ارتكاب الجريمة، بل يكفي حرمانهم من المواد التي لا غنى عنا لبقائهم على قيد الحياة.

 

سياسة التجويع جريمة حرب وإبادة:

عُرفت سياسة التجويع كوسيلة من وسائل الحرب منذ زمن بعيد، بدءًا من الحصار وحتى قطع المياه بهدف الضغط على العسكريين لإجبارهم على الاستسلام، إلا أن هذه السياسة وخاصة بعد الحربين العالميتين اعُتبرت أمرًا غير أخلاقي، فحظرت العديد من مواثيق القانون الدولي –كالقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني- استخدام التجويع كوسيلة في جميع النزاعات المسلحة، بينما اعتبر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2018 سياسة تجويع المدنيين جريمة حرب، كما نص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على ذلك أيضًا. ولا يتطلب القصد الإجرامي اعتراف المهاجم، بل يمكن أيضا استنتاجه من مجمل ملابسات الحملة العسكرية، إلا أنه حصر هذه الجريمة بالنزاعات المسلحة الدولية.

في تصنيف تاريخي مقارن، حددت "أنا وبريدجيت كونلي" تسعة أغراض للتجويع بالنسبة للجهات الفاعلة السياسية والعسكرية التي ترتكبها على نطاق واسع، وأول خمسة منها هي: الإبادة أو الإبادة الجماعية، والسيطرة من خلال إضعاف السكان، واكتساب السيطرة الإقليمية، وطرد السكان، والعقاب.

 

تداعيات سياسية التجويع الصحية:

تبدأ المجاعات عندما يُحرم المدنيون من الحصول على ما يكفي من السعرات لمواكبة احتياجات الجسم من الطاقة نتيجة فقر، أو صراعات عسكرية، أو حصار أو غيره، وفي هذه الحالة ينتقل المدنيون غالبا لاستهلاك الموارد المتاحة والتي لم تكن تعتبر في السابق "طعامًا"، كبعض النباتات وعلف الحيوانات.

ومع انخفاض كمية ونوع الغذاء الداخل للجسم، يحاول الجسم في الأيام الأولى التأقلم مع هذا النقض كما يحدث في حالة الصيام، إلا أن استمرار هذا النقص لفترة طويلة تجعل الجسم يلجأ لاستنفاد موارده الاحتياطية كالدهون والمعادن والفيتامينات، وعندما لا يجد الجسم ما يأكله يبدأ بالتغذية على نفسه، حيث يقوم باستهلاك مخازن البروتين في العضلات بما في ذلك عضلة القلب.

تتسبب المجاعة ونقص الغذاء بمشاكل صحية فيتقلص حجم القلب والرئتين والمبيضين والخصيتين نتيجة تقلص العضلات، ويحاول الدماغ حماية الجسم عن طريق تقليل بعض الوظائف الحيوية، مثل عملية الهضم مما يؤدي إلى الإسهال، إلا أن ذلك يتسبب بموت الخلايا العصبية وفقدان المادة الدماغية، وهو ما يتسبب بضرر لا يمكن علاجه وخاصة عند الأطفال،  كما تتسبب المجاعة بتغيرات سلوكية واضحة فيصبح الشخص سريع الانفعال أو لا مبال أو خامل، يتعذر عليه التركيز، وقد يعاني في المراحل المتأخرة من المجاعة من الهلوسة والتشنجات واضطرابات في ضربات القلب، تنتهي بتوقفه.

يحتاج أولئك الذين اختبروا حالة المجاعة إلى خطة علاج متكاملة، حيث قد لا يكون كافيا توفير الطعام المناسب لهم لاحقًا، ومن الضروري إجراء فحص طبي شامل لتقييم الوضع، الذي قد يستدعي في بعض الأحيان دخول المستشفى أو الخضوع لبرنامج علاجي طويل لمعالجة الأمراض أو الالتهابات الكامنة، بالإضافة إلى برنامج غذائي متدرج يقدم لهم بعض الأطعمة العلاجية، مثل عجينة زبدة الفول السوداني المغذية بالكامل، والحليب الجاف الخالي من الدسم، ومجموعة واسعة من الفيتامينات والمعادن.

 

تجويع المدنيين والمعايير الدولية:

تجويع المدنيين كأسلوب الحرب محظور بموجب المادة 54 (1) من "البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف" والمادة 14 من "البروتوكول الإضافي الثاني". رغم أن بعض الدول ليست طرفا في البروتوكول الأول والثاني إلا أن الحظر معترف به باعتباره يمثّل القانون الإنساني الدولي العرفي في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. لا يجوز لأطراف النزاع "التسبب عمدا [بالتجويع]" أو التسبب عمدا في "معاناة السكان من الجوع، ولا سيما عبر حرمانهم من مصادر الغذاء أو الإمدادات".

يُحظر على الأطراف المتحاربة أيضا مهاجمة الأهداف التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، مثل الإمدادات الغذائية والطبية، والمناطق الزراعية، ومنشآت مياه الشرب. الأطراف ملزمة بتسهيل تقديم المساعدة الإنسانية السريعة ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين، وعدم عرقلة المساعدات الإنسانية عمدا أو تقييد حرية حركة موظفي الإغاثة الإنسانية.

وتنص المادة 2 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية على أن إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا، ينطبق عليه مفهوم الإبادة الجماعية.

وتنص المادة 55 و59 على ضرورة تموين السكان بالمؤن الغذائية وألا تحول الدول دون وصول الإمدادات الغذائية، والسماح لعمليات الإغاثة لمصلحة السكان.

وأشار نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والقاعدة 156 من القانون الدولي الإنساني العرفي إلى أن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني تشكل جرائم حرب. ويقع ضمنها استخدام تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، بحرمانهم من أشياء لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك إعاقة تزويدهم بمؤن الإغاثة.

 

سياسية التجويع في الشريعة الإسلامية:

ذهب الفقهاء إلى أنه لا يجوز لإنسان أن يمنع عن آخر طعامًا أو شرابًا، حتى إذا كان مسجونًا، فإنه يجب عليه أن يدفع إليه الطعام والشراب وما تقوم به حياته. قال الإمام أبو يوسف في "كتاب الخراج": لم تزل الخلفاء تجري على أهل السجون ما يقوتهم في طعامهم وإدامهم، وكسوتهم الشتاء والصيف، وأول من فعل ذلك علي بن أبي طالب بالعراق، ثم فعله معاوية بالشام، ثم فعله الخلفاء بعده. بل نص الفقهاء على أن من منع الطعام عن سجين عمدًا، وكان السبب في موته، فإنه يقتل به؛ لأنه يكون ظهر منه قصد موته. ففي فقه الشافعية والحنابلة: ولو حبس أحد آخر ومنعه الطعام والشراب، حتى مات، فإن مضت مدة يموت مثله فيها غالبًا جوعًا أو عطشًا، فيكون حكمه حكم القتل العمد، وتختلف المدة باختلاف حال المحبوس من حيث القوة والضعف والزمان حرًا وبردًا، وهذا مراعاة لحال الأطفال والنساء بخلاف الرجال، ففقد الماء في الحر ليس كفقده في البرد.

وإن لم تمضِ المدة المذكورة فإن لم يكن بالمسجون جوع وعطش سابق على الحبس فيكون القتل شبه عمد، وإن كان به بعض جوع وعطش سابق على الحبس، فيأخذ حكم القتل العمد، فيقتل به. وما قاله الفقهاء من وجوب القصاص في القاضي أو الحاكم: إن قصد تجويع المسجون الذي حبس في تهمة، فما بالنا بقوات أتت من خارج البلاد مع قوات ظلم وبغي تجوع الناس في بيوتهم وشوارعهم دون أن يكون عليهم أحكام من قضاء عادل؟

إن الإسلام جعل من أهم مقاصده العظمى حفظ النفس، وحرم قتلها بأي وسيلة مادامت نفسًا محترمة، ولم تأتِ ما يستوجب القصاص منها، من زنى المتزوج، أو قاتل غيره عمدًا، أو مرتدًا عن دين الله تعالى قاصدًا للردة بمفارقة جماعة المسلمين، منضمًا للكافرين، معينًا لهم على محاربة الدين، أو ما يعرف بالخيانة العظمى. وفي مثل هذه الحالة التي يخاف الإنسان فيه على نفسه أن يموت أو يهلك أو يشرف على الهلاك، فيجوز له أن يستعمل التقية، بإخفاء ما يؤمن به، وإظهار موافقة من يخافه؛ مادامت هذه هي الوسيلة للحفاظ على نفسه، كأن يظهر أنه مع الظالمين فيتظاهر بهذا بالفعل أو القول مادام هو يكره هذا في نفسه، وأن يستعمل التورية في هذا، عملًا بقوله تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {173}) (البقرة). ولا يجد المسلم حرجًا أن ينجو بنفسه بالتقية، فإن الله تعالى أباحها في كتابه عند الضرورة، كما قال سبحانه: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ {28}) (آل عمران).

__________

  1. كندة حواصلي، سياسة التجويع.. التوحش السافر في القرن الـ21، مدونات الجزيرة، 4 مارس 2024، .
  2. إسرائيل: استخدام التجويع كسلاح حرب في غزة، موقع: هيومَن رايتس وتش، 18 ديسمبر 2023، https://2u.pw/TRdZfEg.
  3. أليكس دي وال، التجويع أداة للحرب، عرب 48، 13 فبراير 2024، .
  4. سيف باكير، فقه لتجويع، مجلة المجتمع الكويتية، 16 يناير 2016، .

كان علي زكي العرابي باشا من رجال الحركة الوطنية، وكان من أبرز القانونيين في جيله، وكان أحد ثلاثة تولوا إعداد مشروعات القوانين المصرية بعد إلغاء المحاكم المختلطة والامتيازات الأجنبية، فقد تولى إعداد مشروعات القوانين الجنائية، على حين تولى الدكتور عبد الرزاق السنهوري باشا إعداد القانون المدني، بينما تولى محمد حسن العشماوي باشا إعداد قانون المرافعات.

 

نشأته وتكوينه:

ولد علي زكي العرابي باشا في محلة أبو علي سنة 1882، وتلقي تعليمًا مدنيًا متميزًا وعرف بنبوغه وهو طالب في الحقوق حيث كان يترجم المحاضرات عن الإنجليزية ويوزعها على زملائه. تخرج علي زكي العرابي باشا في مدرسة الحقوق (1903)، وعمل بالمحاماة وتلقى تدريبه الأولي على المحاماة في مكتب خاله، ثم عمل مدرسًا للقانون بمدرسة الشرطة، ثم اختير أستاذًا بكلية الحقوق (1920)، ثم عين قاضيًا بالاستئناف. انضم للحركة الوطنية في ثورة 1919، وظل طيلة حياته على ولائه للوفد، وقد انتخب عضوًا في الهيئة العليا للوفد في نهاية الثلاثينيات.

 

مناصبه الوزارية:

عُين علي زكي العرابي باشا وزيرًا للمعارف في وزارة النحاس باشا الثالثة (مايو 1936 ـ يوليو 1937)، ثم تولى وزارة المواصلات في ثلاث وزارات أخري رأسها النحاس باشا، فتولاها في وزارة النحاس الرابعة (أغسطس 1937 ـ ديسمبر 1937)، ثم في وزارته الخامسة (فبراير 1942) وحتى 14 مايو 1942 فقط، حيث اختير رئيسا لمجلس الشيوخ، وعاد ليتولى وزارة المواصلات للمرة الثالثة في وزارة الوفد الأخيرة (12 يناير 1950) وحتى 9 يوليو 1950 فقط، حيث اختير مرة أخري رئيسًا مجلس الشيوخ.

انتماؤه للوفد وخلافه معه:

كان العرابي باشا وزيرًا وفديًا ورئيسًا لامعًا لمجلس الشيوخ، وكان من الرموز المخلصة للوفد، وذلك لم يمنعه من الاختلاف العلمي والفقهي في بعض القضايا مع الوفد، وكانت أشهر هذه الآراء الفقهية الحاسمة في اختلافها مع سياسة الوفد آراؤه الخاصة بالقضايا التي أثيرت حول عضوية البرلمان، حيث كان الأمر سجالًا بين الوزارات الوفدية ووزارات حسين سري باشا (1941) وأحمد ماهر باشا (1944) وإسماعيل صدقي باشا (1946)، ومع أن علي زكي العرابي باشا كان وفديًا أصيلًا بل ورئيس مجلس الشيوخ -آنذاك- فقد كان رأيه في ظاهره على خلاف رأي الوزارة الوفدية.

العرابي باشا والحقبة الناصرية:

كانت علاقة العرابي باشا بحركة الضباط متباينة بين حالة من العداء باعتباره من رموز الوفد والرموز السياسية البارزة في الحقبة الملكية وبين تقدير مكانته القانونية والقضائية، وكان الرئيس جمال عبد الناصر نفسه يظهر للصحافة تقديره ومحبته له، وأنه يستعين برأيه، ومن العجيب أنه اختير كذلك عضوًا في لجنة وضع الدستور كممثل اختارته الثورة للوفد وذلك على الرغم من أنه خضع لقوانين العزل السياسي باعتباره من وزراء ما قبل الثورة.

 

آثاره:

– «مركز الوارث في الشريعة ونتائجه في القانون»، القاهرة، مطبعة الشعب، 1913.

– «شرح القسم العام من قانون العقوبات وجرائم القتل والجرح والضرب»، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة، 1925.

– «قانون تحقيق الجنايات والتعديلات الطارئة عليه والقوانين المرتبة به لغاية أول نوفمبر سنة 1926»، القاهرة، مطبعة دار الكتب المصرية، 1926.

– «القضاء الجنائي» جمع وتلخيص وترتيب علي زكي العرابي، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1926، من جزئين في ثلاثة مجلدات.

– «المبادئ الأساسية للإجراءات الجنائية» شرح قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 الصادر بتاريخ 3 سبتمبر 1950، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1952.

– «المبادئ الأساسية للتحقيقات والإجراءات الجنائية»، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1939/ 1940، من جزئين في مجلدين.

– «مذكرات في قانون تحقيق الجنايات»، القاهرة، مطبعة الاعتماد، 1920.

– «عضوية البرلمان»، القاهرة، 1949.

وسبق لموقعنا أن نشر عرضا لكتابه "القضاء الجنائي"

________________

- محمد الجوادي، العرابي باشا الذي ابتدع المصطلح القائل بأن البرلمان سيد قراره، مدونات الجزيرة، https://2u.pw/Np1mlOj

- علي زكي العرابي باشا، تراجم عبر التاريخ، https://tarajm.com/people/77690

The melbet promo code free bet welcome bonus is a premier offer designed for all new customers joining the platform. This incentive provides a powerful boost to your initial bankroll, allowing you to place more bets on your favorite sports from the very beginning. The standard welcome offer promises a 100% match on your first deposit. The maximum bonus sum you can receive from this promotion is capped at €100, giving you a significant and valuable head start on your betting journey.