Print this page

المستشار بهاء المُري: "الاعتراف ليس دائمًا سيدا للأدلة"!

By أيلول/سبتمبر 20, 2025 263 0

أقامت الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع حلقة نقاشية بعنوان: "الاعتراف ليس دائمًا سيد الأدلة"، حاضر فيها المستشار بهاء المُري، رئيس محكمة الجنايات بالمنصورة، وذلك يوم الخميس الماضي الموافق 18/9/2025م. وقد كان لموقع حوارات الشريعة والقانون حضور فعال في هذه الحلقة.

 

ما الذي استهدفته الحلقة؟

استهدفت الحلقة النقاشية مناقشة أحد أبرز القضايا المطروحة على الساحة التشريعية والقضائية في المجال الجنائي، والمتمثلة في القاعدة الراسخة التي تعتبر الاعتراف "سيد الأدلة"، بحيث يغلق بمجرده الباب أمام القاضي لمواصلة التحقيق والتقصي.

وخلال مداخلته، أوضح المستشار بهاء المري أن هذه القاعدة لم تعد ملائمة في صورتها التقليدية، وأنها تستوجب إعادة نظر وتعديل؛ لأن الاعتراف قد لا يعكس الحقيقة دائمًا، إذ قد يصدر بدافع المحاباة لشخص آخر، أو بدافع الشفقة والرحمة، أو طمعًا في منفعة ما، أو حتى تحت وطأة الضغوط والإكراه.

 

أمثلة واقعية توضح المخاطر

وضرب المستشار أمثلة على ذلك، أبرزها واقعة اعترفت فيها امرأة بأنها أغرقت طفلها في الماء. لكن القاضي، الذي لم يجد في هذا الاعتراف ما يطمئن إليه قلبه، قرر الاستمرار في التحقيق. ومع المزيد من المناقشة، أقرت الأم في النهاية بأن طفلها مات غريقًا دون أي تدخل منها أو من غيرها، وأن اعترافها الأول كان بدافع الشفقة على وليدها، حتى لا تتعرض جثته للتشويه أثناء فحص الطب الشرعي.

هذا المثال –كما أشار المستشار– يعكس خطورة الاكتفاء بالاعتراف كدليل قاطع، ويدعو إلى مراجعة القاعدة التقليدية بما يضمن تعزيز دور القاضي في البحث والتحقيق، وصولًا إلى الحقيقة التي تبرئ البريء وتدين المذنب دون لبس أو ظلم.

 

مقترح التشريعي

طرح مركز العضو المنتدب خلال الحلقة النقاشية مقترحًا – كان قد تقدّم به أحد المشاركين – وحظي باستحسان المنصة. وجوهره أن الشخص الذي يعترف على نفسه كذبًا، ثم تكشف التحقيقات عدم صحة اعترافه، لا ينبغي أن يُترك بلا عقوبة، بل يجب أن يُحاسب رادعًا. فالاعتراف الكاذب يضلل العدالة، ويتستر على الجاني الحقيقي، ويشجع غيره على تكرار الفعل، بينما التمييز يبقى قائمًا لمن يعترف تحت التهديد أو الإكراه، فذلك له وضع مختلف.

المقترح شبّه الاعتراف الكاذب بالبلاغ الكاذب؛ فإذا كان الأخير جريمة لأنه يرهق السلطات، فإن الأول أشد خطرًا لأنه يربك العدالة ويضلل القضاء.

من جانبه، علّق القاضي بهاء المري على المقترح قائلًا إن القانون لا يتضمن نصًا صريحًا يعاقب مثل هذه الحالات، لكنه وصف الطرح بأنه "مقترح جدير بالاهتمام ويستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار". وقد فتح هذا التصريح باب التساؤلات حول ما إذا كانت المرحلة المقبلة ستشهد تحركات فعلية لترجمة الفكرة إلى نصوص تشريعية تُغلق ثغرة قانونية طالما أثارت الجدل.

 

موقف الشريعة الإسلامية:

تشير الشريعة الإسلامية إلى أن الاعتراف يعد من أقوى الأدلة وأوضحها في إثبات الحقوق أو الجرائم، لكونه إقرارًا صريحًا من المتهم على نفسه. ومع ذلك، فإن صحة الاعتراف واعتباره حجة شرعية يشترط أن يكون صادرًا عن إرادة حرة وواعية، خاليًا من أي إكراه أو ضغط مادي أو معنوي، وأن يكون مطابقًا للواقع وواضحًا من أي غموض.

ويؤكد الفقه الإسلامي على أن الاعتراف يجب أن يُقارن دائمًا مع الأدلة المادية الأخرى، خاصة في القضايا الجنائية، لضمان صدقه. كما يشدد على شروط صدور الاعتراف عن شخص بالغ وعاقل، ووضوحه ودقته، بحيث يمنح القاضي حرية التقدير في قبول الاعتراف كدليل، مع مراعاة منع البطلان إذا ثبت أي ضغط أو نقص في الفهم.

 

ثغرة قد تستوجب التعديل التشريعي

وبذلك تكون الحلقة النقاشية قد سلطت الضوء على تحدٍ قانوني مهم: كيف يمكن للمحاكم التعامل مع الاعترافات الكاذبة دون المساس بحقوق الأفراد أو تعطيل مسار العدالة. وما بين المقترحات التشريعية وردود القضاة، يَبْرُز سؤالًا جوهريًا: هل ستتخذ السلطات خطوات عملية لترجمة هذه الأفكار إلى نصوص قانونية واضحة، تغلق ثغرات طالما أثارت الجدل؟ يبدو أن الشارع القانوني على موعد قريب مع نقاشات قد تُفضي إلى تعديل جذري في مفهوم "سيد الأدلة"، لتصبح العدالة أكثر صرامة وحيادية في آن واحد.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الأحد, 21 أيلول/سبتمبر 2025 13:44
موقع حوارات