Print this page

أحكام العمران في الفقه الإسلامي*

By د. أحمد محمد سعيد السعدي** تشرين1/أكتوير 09, 2025 257 0

يمثل كتاب "أحكام العمران في الفقه الإسلامي- أحكام اختيار الأرض ومواد البناء وتخطيط البيوت وكسوتها وإصلاحها وأحكام الجوار والاشتراك"، للدكتور أحمد محمد سعيد السعدي، دراسة فقهية منهجية تُعنى بمقتضيات العمران المادي والاجتماعي في ضوء التشريع الإسلامي، وهو في الأساس أطروحته التي نال عنها الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة دمشق.

وينطلق الكتاب من مفهوم موسّع للعمران لا يقتصر على إنشاء المباني فحسب، بل يشمل بناء العلاقات المجتمعية وتنظيم السكن بما يحقق مقاصد الشريعة في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. حيث يعالج الكتاب مسائل اختيار الأرض وشرائط مواد البناء والتخطيط والاتجاهات المعمارية والإكساء والفرش، كما يتناول بالتفصيل أحكام الترميم والإصلاح وحقوق الارتفاق والجوار وملكية الأجزاء المشتركة وإحداث المظلات والبروزات، مستندًا في عرضه إلى مصادر الفقه المتعددة وإلى توظيف المقاصد الشرعية كأداة لترتيب الأولويات التطبيقية.

كما تتميز الدراسة بسعيها إلى ربط الأحكام الفقهية بالواقع العمراني المعاصر، سواء من خلال مقاربة القواعد العامة (حرية التصرف، قاعدة لا ضرر ولا ضرار، مراعاة الخصوصية) أو عبر تقديم حلول فقهية لمسائل عملية مثل البناء على أرض غير المالك وتعويض الباني حسن النية، وضوابط نزع الملكية والتعويض، وحدود الإلزام في إصلاح الأبنية الآيلة للسقوط. كما تولي الدراسة اهتمامًا خاصًا للبعد الحضاري للعمران، معتبرة أن العمارة الإسلامية الحقيقيّة تقوم على تأسيس الإنسان وقيم المجتمع بقدر ما تقوم على الشكل المادي للبناء.

الكتاب صالح لأن يكون مرجعًا مفيدًا للفقهاء والباحثين والمشرّعين والمهندسين المعماريين على حد سواء، إذ يقدم إطارًا فقهيًا متوازنًا يجمع بين النصّ والغاية ويعطي أولوية لصون المنافع ودرء المفاسد في المسائل العمرانية، مع فتح آفاق للتطبيق العملي والتقنين التشريعي بما يتواءم وروح العصر.

يحمل الكتاب تعريفًا موسعًا لمصطلح العمران، فلا يقتصر العمران لديه على البناء المادي بل يتعدّاه إلى "بناء العلاقات" داخل المجتمع الساكن، ويجعل الإنسان محور البناء وغاية العمران لا وسيلة له. تستمدُّ الدراسة سياقها الحضاري من مقاصد الشريعة الخمس وتستعمل سلمَ المراتب (ضرورية ـ حاجية ـ تحسينية) كأداةٍ عملية لتقديم المصالح العمرانية وترتيب الأولويات، وهو إشكال منهجي يوفِّر إطارًا استنباطيًّا رغم حاجة التطبيق إلى معايير تقويمية دقيقة عند النزاع.

على مستوى الموضوعات الفنية يعالج الكتاب سلسلة متكاملة تبدأ بأحكام الأرض المراد البناء عليها، مرورًا بشروط مواد البناء من حيث الطهارة والصلابة وعدم التسبّب في أذى بيئي، ثم ينتقل إلى مسائل التخطيط: ارتفاع المباني، اتجاهاتها (مع إشارات عملية للقبلة) والأسس العامة لتصميم المسكن الإسلامي، إضافة إلى أحكام الكساوة والفرش والتزيين بما يوازن بين محبة الجمال وتحريم الإسراف. ما يميز المعالجة أنها تطرح قواعد عامة (الأصل حرية التصرف في الملك، لا ضرر ولا ضرار، مراعاة الخصوصية) وتطبّقها على مسائل يومية مثل حقوق الارتفاق وملكية السطوح ووضع خزانات الماء والهوائيات، كما تتناول الإيجار والإعارة والإجراءات المتعلقة بإنهاء المدة وحقوق الباني في أرض الغير.

في باب الجوار والاشتراك يقدّم الكتاب تأصيلًا فقهيًا لأحكام منع الضرر وصون الحرمات العمرانية: تعريف الضرر الفاحش واليسير، قواعد النظر والصوت والرائحة، وجوب مراعاة حرمات الخصوصية في تصميم الفتحات والنوافذ والمطلات، وحظر إقامة منشآت مَعِقّة للهدوء في أماكن سكنية حساسة (دور سينما، صالات حفلات داخل الأحياء الضيقة) إذا كان من شأنها إحداث أذى دائم متكرر. يُشدَّد الكتاب كذلك على أن مسألة الإضرار يجب أن تُعرَض على أهل الاختصاص لإثبات الضرر ودرجه، وأن الحسم القضائي ينبغي أن يكون مقرونًا بمحاولات الوساطة ومنع التضخيم القضائي للخلافات البسيطة.

تنطلق نتائج الكتاب من استقراء الفقه التقليدي ومقارنته بالممارسات المعاصرة، فتقترح مجموعة أحكام عملية حاضرة في خاتمة البحث، منها: أن البناء واجب لإسكان من تلزم نفقتهم إذا لم يجدوا طريقًا آخر، وأن الأصل الإباحة في البناء ما لم يعتُرها مانع شرعي، وأن الارتفاقات والهبات لا تلزم الالتزام الدائم إن كانت إحسانًا، مع ضمان تعويض عادل عند الرجوع إذا كان المرتفق متضررًا. كما يسرد الكتاب قواعد للتصرف في البناء على أرض غير مالكها (خيار المالك بين دفع قيمة البناء أو ثمن الأرض أو قبول الشراكة أو الهدم مع تعويض).

تشتمل توصيات الكتاب الصريحة على نقاط تشريعية وإجرائية: ضرورة تأصيل النظرية العمرانية على مقاصد الشريعة، مراعاة مقاييس الحماية والخصوصية في التنظيم العمراني، إلزامية تدخل الجهات الإدارية في حالات الضرورة مع مراعاة التعويض والنزاهة، وحظر استغلال أملاك الجمهور أو المقدسات لأغراض تجارية أو تكنولوجية تمس حرمة المكان (تحديدًا تأجير المآذن لأبراج اتصالات).

من المنظور العملي والسياسي يقدم الكتاب توصيات مُوجَّهة إلى المشرّع والمهندس والقاضي، منها: تشريع وضبط قواعد البناء بما يحفظ الحرية والملك الخاص مع وضع ضوابط واضحة لمنع الإضرار، إرساء آليات تعويض شفافة عند نزع الملكية قسريًا (مع تقديم بدائل قابلة للسكن)، تفعيل ضوابط لسلامة المواد ومصادرها البيئية بحيث لا تُسيء للنظام البيئي المحلي، وإدماج معايير الصحة والتهوية والخصوصية والاتجاهات القِبْلِيَّة حيثما أمكن.

على مستوى الحاجة البحثية المستقبلية يدعو المؤلف إلى عمل تكميلي في عدة محاور: دراسات حالة قضائية توضح تطبيق الأحكام، مقارنات تشريعية بين دولٍ إسلامية مختلفة بدل الاقتصار على نموذج وطني، وإضافة فصول أو أبحاث تركز على القضايا البيئية والاستدامة والابتكارات التكنولوجية في البناء الحديث.

في خاتمة العرض يمكن ترشيح إجراءات تنفيذية سريعة: تضمين مبادئ منع الضرر والخصوصية في قوانين البناء المحلية، اعتماد آلية قضائية-فَنية للبت في نزاعات الجوار (قضاة مدعومون بخبراء هندسة ومدنية)، وضع قواعد لتعويض من بنى بحسن نية على أرض غيره، وحظر الاستخدام التجاري أو التقني لمرافق عبادة دون موافقة شرعية وإدارية واضحة.

أخيرًا، يبقى كتاب د. أحمد السعدي مرجعًا مهمًا في استعادة خط الفقه العمراني بأسلوبٍ منظّم يجمع بين النصّ والمقاصد والرؤية الحضارية، وهو بداية صالحة لبرنامج بحثي تطبيقي يربط بين الفقه الإسلامي، التشريع الوضعي، والهندسة العمرانية. ويوصى بأن تُتبع هذه الدراسة بسلسلة تطبيقات ميدانية وحلقات عمل مشتركة بين الفقهاء والمهندسين والمشرّعين لتقعيد نماذج قابلة للتطبيق المحلي والحقوقي، مع توثيق قضايا عملية في سجلات قضائية لتغذية الاجتهاد الفقهي في قضايا العمران المعاصرة.

 

 

فهرس الكتاب:

تمهيد في مفهوم العمران الإسلامي ومصادره.

الباب الأول: إنشاء البناء وإصلاحه

 الفصل الأول - أحكام إنشاء البناء

  المبحث الأول - حكم إقامة المباني

   المطلب الأول - الحكم الأصلي لإنشاء البناء

  المطلب الثاني - ما يعتري البناء فيؤثر في حكمه

المبحث الثاني - أحكام الأرض ولوازم البناء

  المطلب الأول - أحكام الأرض المراد البناء عليها

 المطلب الثاني - أحكام لوازم البناء

المطلب الثالث: التنظيم الإداري للعمران

 المبحث الثالث - تخطيط البناء

المطلب الأول - علو البناء

المطلب الثاني - اتجاهات البناء

المطلب الثالث - الأسس العامة لتخطيط المسكن الإسلامي

المبحث الرابع - إكساء البيت وفرشه

المطلب الأول - إكساء البناء

المطلب الثاني - تزيين البناء

المطلب الثالث - أثاث البيت وفرشه

الفصل الثاني - أحكام ترميم البناء وإصلاحه

 المبحث الأول - إصلاح المسكن الخاص وترميمه

المطلب الأول - ترميم الدار منعًا للإضرار بالجار والمار

المطلب الثاني - ترميم الدار المؤجرة

المطلب الثالث - إصلاح الدار المرهونة

 المبحث الثاني - إصلاح الأجزاء المشتركة بين الجوار

المطلب الأول - الإصلاح في الملكيات المتلاصقة

المطلب الثاني - ترميم الأجزاء المشتركة في الملكيات المتراكبة

المبحث الثالث - إصلاح الأبنية الموقوفة

المطلب الأول - إصلاح الوقف الأهلي وترميمه

المطلب الثاني - ترميم الوقف الخيري

 

الباب الثاني - أحكام الجوار والاشتراك

الفصل الأول - أحكام الارتفاق ومنع الضرر عن الجار

تمهيد في مفهوم الجوار وأحكامه الأخلاقية

المبحث الأول - حقوق الارتفاق

المطلب الأول - تعريف حق الارتفاق وأحكامه العامة

المطلب الثاني - أهم حقوق الارتفاق في الفقه الإسلامي

المبحث الثاني - واجب الجار في دفع الضرر

المطلب الأول - القواعد العامة لمنع الضرر عن الجار

المطلب الثاني - تطبيقات النهي عن الضرر في العلاقات الجوارية

الفصل الثاني - حكم الأجزاء المشتركة والإحداث في الأبنية المتقاربة:

المبحث الأول - أحكام السقف والجدار بين دارين

المطلب الأول - أحكام الجدار المشترك

المطلب الثاني - ملكية السقف وحكم التصرف فيه

المبحث الثاني - التصرف والإحداث في الأبنية المشتركة

المطلب الأول - أحكام البروز وفتح الأبواب

المطلب الثاني - ملكية الأجزاء المشتركة والتصرف في الأبنية الطابقية

 

لتحميل ملف الكتاب

 

___________________

* أحمد السعدي، أحكام العمران في الفقه الإسلامي، دار الرواد للنشر، دمشق: الطبعة الأولي، 2010.

** هو عالم وباحث سوري متخصص في الفقه الإسلامي وأصوله، حصل على الماجستير عام 2002 ثم الدكتوراه عام 2007 من جامعة دمشق. تتلمذ على يد عدد من أبرز علماء الشام مثل العلامة الشيخ صادق حبنكة الميداني والدكتور مصطفى البغا، ونهل منهم علوم الفقه الشافعي والحديث وأصول الفقه. عمل محاضرًا في كليتي الشريعة بجامعتي دمشق وحلب، كما قام بالتدريس في جامعات بتركيا ولبنان، مما وسّع من خبرته الأكاديمية ونطاق تأثيره. تميزت مسيرته بالجمع بين التأصيل العلمي والاهتمام بالقضايا المعاصرة، حيث تتضح هذه السمة في مؤلفاته المهمة مثل كتابه الرائد "أحكام العمران في الفقه الإسلامي" الذي بدأ كرسالة دكتوراه، وكتاب "شروط المجتهد ومدى توافرها في الاجتهاد المعاصر"، وكتابه "العلامة الشيخ صادق حبنكة الميداني" الذي يُبرز اهتمامه بتاريخ العلماء وإسهاماتهم.

Rate this item
(0 votes)
Last modified on الخميس, 09 تشرين1/أكتوير 2025 13:28