يُعد الدكتور عبد الحميد متولي (1907 - 1985) أحد أبرز وأعمق الفقهاء الدستوريين في مصر والعالم العربي خلال القرن العشرين، وأحد الروّاد الذين أسسوا لفقه دستوري إسلامي معاصر، حيث ترك إرثًا علميًا ضخمًا وأثرى الحياة الأكاديمية والسياسية بأطروحاته ودراساته.
مولده ومحطاته العلمية والعملية البارزة:
ولد الدكتور عبد الحميد متولي عام 1907 في مركز السنطة بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية، ونشأ في بيئة تؤكد قيمة الحرية. التحق بكلية الحقوق بالقاهرة (مدرسة الحقوق الملكية) فحصل على ليسانس الحقوق (بدرجة الشرف) عام 1923. ثم أكمل دراسته في باريس حيث نال دبلوم الدراسات الإدارية والمالية (كلية الحقوق–جامعة باريس) عام 1926، وحصل على الدكتوراه من جامعة باريس (السوربون) عام 1940 بأطروحة رائدة تحت عنوان "الرقابة على دستورية القوانين في مصر ودول الإسلام" تحت إشراف الفقيه الكبير جورج بوردو أحد عمالقة الفقه الدستوري الفرنسي، والتي نُشرت بعدة لغات وأصبحت مرجعًا أساسيًا.
بعد عودة د. متولي من باريس مباشرة تم تعيينه مدرسًا في كلية الحقوق بجامعة الإسكندرية، حيث تدرج في السلك الأكاديمي ليكون أستاذًا ورئيسًا لقسم القانون العام لسنوات طويلة، ودرّس أجيالًا من القانونيين المصريين والعرب، حيث عمل كذلك أستاذا في جامعة بغداد في فترة الخمسينيات، قبل تعيينه لاحقًا عميدًا لكلية الحقوق لاحقًا، كما شغل منصب رئيس معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية بالقاهرة، مما وسع دائرة تأثيره الفكري.
شارك بفاعلية كخبير في لجنة صياغة دستور مصر عام 1954 (والذي لم تعتمد السلطة حينها إصداره)، كما أشرف على عدد يصعب حصره من الرسائل العلمية في العديد من كليات الحقوق بالجامعات المصرية والعربية.
أهم الإسهامات الفكرية والكتابات:
يعتبر د. عبد الحميد متولي مؤسس المدرسة المصرية الحديثة في الفقه الدستوري، التي مزجت بين الفقه الدستوري المقارن (خاصة الفرنسي) والواقع السياسي والقانوني المصري والعربي، وأثرت آراؤه النظرية والعملية في النقاشات الدستورية في مصر والوطن العربي. وكان اهتمامه مركزًا على قضايا الشرعية الدستورية وضماناتها، خاصة عبر مؤسسة الرقابة القضائية على دستورية القوانين، ومبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها.
سعى بجدية، خاصة في كتاباته عن النظام السياسي الإسلامي، إلى البحث عن جذور للمبادئ الدستورية الحديثة (كالعدل، الشورى، المساواة) في التراث الإسلامي، دون أن يكون ذلك على حساب التحليل العلمي الموضوعي، مما يجعله من أبرز رواد الجمع بين الأصالة والمعاصرة، وكان يُنظر إليه على أنه "شيخ الدستوريين" في مصر الحديثة، حيث وضع اللبنات النظرية والعملية للفقه الدستوري المعاصر. تميزت كتاباته بالدقة المنهجية، والتحليل المقارن العميق، واللغة القانونية الرصينة والواضحة في آن واحد. لا تزال كتبه، وخاصة "الوجيز"، تُدرّس في كليات الحقوق في مصر والعديد من البلدان العربية، وتشكل مراجع أساسية للباحثين والطلاب.
باختصار، كان الدكتور عبد الحميد متولي فقيهًا دستوريًا موسوعيًا، جمع بين النظرية والتطبيق، وبين العمق الأكاديمي والإسهام العملي في الحياة الدستورية. ترك تراثًا فكريًا غنيًا ومؤثرًا جعله علامة فارقة في تاريخ الفكر الدستوري المصري والعربي، ومازالت أفكاره تشكل منارة للدارسين في هذا الحقل المعرفي الحيوي.
من مؤلفاته:
أولاً: المؤلفات الأساسية في القانون الدستوري والنظم السياسية:
(أصله أطروحة دكتوراه - السوربون 1940، صدرت بالفرنسية 1942، ثم طبعات عربية متتالية).
الناشر: دار النهضة العربية (القاهرة).
الكتاب المؤسس لمدرسته الفقهية.
(طُبع لأول مرة في الخمسينيات، ثم طبعات منقحة ومزيدة متعددة، آخرها بعنوان "الوجيز في النظم السياسية").
الناشر: دار النهضة العربية (القاهرة).
المرجع الجامعي الأشهر، ظل يُدرَّس لأجيال.
(تطور عن "الوجيز"، يغطي النظم الغربية والعربية).
الناشر: دار النهضة العربية.
الناشر: دار النهضة العربية.
تطوير لأفكاره عن الدستورية الإسلامية.
الناشر: دار الفكر العربي (القاهرة).
أول دراسة منهجية معاصرة للحكم الإسلامي من منظور دستوري.
(تحليل لنصوص دستور 1956/1971 في ضوء المبادئ الدستورية).
الناشر: دار النهضة العربية.
ثانياً: كتب في القانون العام والإداري:
(يُعد مرجعًا أساسيًا في الكليات).
الناشر: دار النهضة العربية.
(تكملة لكتاب التنظيم الإداري).
الناشر: دار النهضة العربية.
(دراسة رائدة في حدود اختصاصات الإدارة).
الناشر: دار النهضة العربية.
ثالثاً: دراسات في الفكر السياسي والقانوني
(تحليل نقدي لأيديولوجيات القرن العشرين).
الناشر: دار النهضة العربية.
(تغطية شاملة للليبرالية، الاشتراكية، الشيوعية، الفاشية).
الناشر: دار النهضة العربية.
(مقالات ومحاضرات حول التوافق بين المبادئ الإسلامية والدستورية الحديثة).
رابعاً: ترجمات وإشراف علمي
خامساً: أبحاث ومقالات محورية (مجموعة في كتب لاحقة)
ملاحظة: بعض هذه الأبحاث جُمِعَت لاحقًا في كتب مثل "بحوث في القانون الدستوري والنظم السياسية" (تحرير تلاميذه).
سادساً: كتب جامعية ومحاضرات (غير مطبوعة على نطاق واسع)
سابعاً: مؤلفات مفقودة أو قيد النشر (مذكورة في مصادر عنه)
كتب ودراسات عنه:
توجد عدة رسائل ماجستير ودكتوراه في كليات الحقوق (جامعات القاهرة، الإسكندرية، عين شمس، إلخ) تحمل هذا العنوان أو عناوين مشابهة مثل "إسهامات عبد الحميد متولي في الفقه الدستوري".
وفاته:
توفي الدكتور عبد الحميد متولي في 29 أكتوبر 1985 عن عمر ناهز 78 عامًا، وذلك في مدينة الإسكندرية (مصر)، حيث عاش وعمل أغلب حياته. وشُيِّعت جنازته من مسجد المرسي أبو العباس بالإسكندرية (أشهر مساجد المدينة)، بحضور زملائه وتلاميذه، وممثلي نقابة المحامين ووزارة العدل. ونعته كبرى الصحف المصرية والعربية (مثل الأهرام، الشعب، الجمهورية)، ووصفته بأنه "عميد الفقه الدستوري في العالم العربي".
وقد أطلقت كلية الحقوق جامعة الإسكندرية اسمه على إحدى قاعاتها الرئيسية تكريمًا له (قاعة "عبد الحميد متولي").
وكان رحيله خسارة فادحة للحياة الفكرية العربية، لكن إنتاجه العلمي ظل حيًا يؤثر في الأجيال الجديدة من الدستوريين.
المصادر: