المولد والنشأة
ولد الشيخ محمد أحمد مصطفى أحمد أبو زهرة في 6 ذي القعدة 1316هـ، الموافق 29 مارس 1898م، بمدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر، ونشأ في أسرة معروفة بالعلم والصلاح. التحق منذ صغره بالكتّاب، فأتم حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى الجامع الأحمدي بمدينة طنطا، أحد أهم معاهد العلم الديني في مصر، حيث تلقى علوم العربية والشرعية على يد كبار العلماء، وكان هذا الجامع يُسمى بــ"الأزهر الثاني" لمكانته العلمية الرفيعة.
التعليم والتكوين العلمي
بعد ثلاث سنوات قضاها في الجامع الأحمدي، التحق أبو زهرة بمدرسة القضاء الشرعي عام 1916م، وهي مدرسة أنشأها محمد عاطف بركات لإعداد القضاة الشرعيين للمحاكم المصرية. اجتاز اختبار القبول وكان أصغر المتقدمين سنًا وأكثرهم تفوقًا. مكث في المدرسة ثماني سنوات حتى تخرج عام 1924م (1343هـ) حاصلاً على شهادة "عالمية القضاء الشرعي"، ثم واصل دراسته في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة ونال معادلتها عام 1927م (1346هـ)، ليجمع بذلك بين تخصصين قويين في علوم الشريعة واللغة العربية.
المسيرة الأكاديمية والوظيفية
بدأ الشيخ أبو زهرة حياته العملية مدرسًا للغة العربية في المدارس الثانوية، ثم عُين عام 1933م (1352هـ) أستاذًا في كلية أصول الدين، حيث درّس مادة الخطابة والجدل، وألف أول كتاب مستقل في الخطابة العربية. بعد ذلك انتقل إلى كلية الحقوق بجامعة القاهرة لتدريس الشريعة الإسلامية، ثم تدرج في مناصبها حتى أصبح رئيسًا لقسم الشريعة ووكيلًا للكلية، كما شغل منصب أستاذ محاضر للدراسات العليا، وعضو المجلس الأعلى للبحوث العلمية، وشارك في تأسيس معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة.
مساهمته في تطوير معهد الدراسات الإسلامية
شارك الشيخ محمد أبو زهرة مع نخبة من العلماء في تأسيس معهد الدراسات الإسلامية بالقاهرة، ليكون منارة علمية متخصصة في الدراسات الشرعية واللغوية، ويخدم شريحة من الطلاب الذين لم تتح لهم فرصة الدراسة في الكليات الشرعية التقليدية. كان الهدف من المعهد تعويض هؤلاء الطلاب وتزويدهم بأساس متين من العلوم الإسلامية، مع التركيز على جودة التعليم وعمق التكوين العلمي.
لم يقتصر دور الشيخ أبو زهرة على التأسيس فقط، بل كان من أوائل الأساتذة الذين ألقوا المحاضرات في المعهد، وقدم علمه وجهده دون مقابل مادي، تعبيرًا عن إيمانه برسالة المعهد وأهمية نشر العلم الشرعي. كما شغل منصب وكيل معهد الدراسات الإسلامية، وأسهم في وضع المناهج العلمية وتطويرها، وحرص على أن تجمع بين الأصالة والانفتاح على قضايا العصر.
الإنتاج العلمي والفكري
يُعد الشيخ محمد أبو زهرة من أبرز فقهاء القرن العشرين، وتميزت مؤلفاته بغزارتها وعمقها وسعة أفقها واعتدالها، وقد بلغت أكثر من ثلاثين مؤلفًا في الفقه المقارن، أصول الفقه، التفسير، السيرة النبوية، وقضايا المجتمع الإسلامي. وقد تميزت كتبه بالدقة العلمية واللغة السهلة، واعتمد عليها آلاف الطلاب والباحثين في العالم الإسلامي.
ومن أشهر كتب الشيخ محمد أبو زهرة:
مواقفه الإصلاحية والجريئة
كان الشيخ أبو زهرة صاحب فكر إصلاحي، جريئًا في الدفاع عن الشريعة الإسلامية وحقوق الأمة، ووقف ضد محاولات تهميش الأزهر أو تدجينه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، وشارك بقوة في الدفاع عن جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع في الدستور المصري. دعا إلى إصلاح الأزهر من داخل رسالته، ورفض إنشاء كليات غير دينية تحت مظلته، واقترح تثقيف أصحاب المؤهلات العليا دينيًا من خلال الأزهر.
كما كان له موقف حاسم ضد الربا، وبيّن بالأدلة فساد نظريته، ودعا إلى حماية المجتمع من مخاطره. اشتهر بصراحته في مواجهة الاستبداد والسلطة، وحرص على استقلال العلماء وحرية الفكر، وكان يرى أن الشورى هي أساس الحكم في الإسلام، وأن الحاكم يجب أن يُختار من الأمة بحرية.
المنهج العلمي والأسلوب
اتسم منهج الشيخ أبو زهرة بالتحليل العميق، والمقارنة بين المذاهب الفقهية، والابتعاد عن التعصب، والاعتماد على الأدلة النقلية والعقلية معًا. كان يحرص على عرض حياة الأئمة وأفكارهم واجتهاداتهم بشكل موضوعي، ويعرض الخلافات الفقهية بروح علمية، ويشجع على الاجتهاد المعاصر المنضبط بأصول الشريعة.
تأثيره وتلاميذه
تتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء والباحثين، من أشهرهم: الشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد الطيب النجار ود. عبد العزيز عامر. وكان للشيخ أبو زهرة أثر بالغ في تطوير الدراسات الفقهية المقارنة في الجامعات المصرية والعربية. بقيت كتبه مرجعًا أساسيًا للباحثين وللمهتمين بالدراسات الإسلامية، وامتد تأثيره إلى خارج مصر، حيث استفاد من علمه وكتبه طلاب العلم في العالم الإسلامي.
وفاته:
توفي الشيخ محمد أبو زهرة عام 1974م (1394هـ) بعد حياة حافلة بالعلم والجهاد الفكري، وترك تراثًا علميًا ضخمًا، ومواقف مشهودة في الدفاع عن الشريعة الإسلامية وحقوق الأمة، ليظل اسمه رمزًا للعلم والجرأة والإصلاح في الفكر الإسلامي الحديث.
المصادر: