| يلقي هذا المقال الضوء على نص مهم وغير معروف لرفاعة رافع الطهطاوي أحد رواد عصر التنوير العربي. وفي هذا السياق كتب هؤلاء الشوامخ عددًا من أمهات الكتب التي مازالت تثير الذهن وتشحذ التفكير وتبعث على التساؤل في أوضاعنا ومازال ما ورد فيها من قضايا وموضوعات من تلك التي مازلنا نتجادل فيها حتى الآن رغم مرور ما يقرب على قرن من صدورها. 
 سيرة حياة من هؤلاء القمم الشوامخ يأتي في الطليعة شيخنا رفاعة رافع الطهطاوي الذي ولد في منتصف أكتوبر عام 1801 - أي مر على مولده الآن مائتا عام تقريبا - بمدينة طهطا إحدى مدن صعيد مصر، وهي السنة التي غادرت فيها قوات الحملة الفرنسية أرض مصر. وكانت عائلته ذات صدارة في المدينة، وتولى بعض أعضائها منصب القضاء ومنهم مَن اشتغل بالعلم وله تآليف. وجاء رفاعة إلى الأزهر عام 1817 وقضى به متعلما خمس سنوات، وكان من أبرز أساتذته الشيخ العالم الفاضل حسن العطار (1766-1835) الذي تولى مشيخة الأزهر سنة 1830 وهو الذي ساعد على تهيئة ذهن الفتى رفاعة لتقبل العلوم العصرية. وبعد تخرج رفاعة في الأزهر اشتغل بالتدريس فيه حتى تم اختياره إماما لأول بعثة علمية كبيرة أوفدها محمد علي إلى فرنسا لدراسة علومها ولغتها بناء على انتخاب الشيخ حسن العطار له. وهكذا سافر رفاعة إماما للصلاة ومرشدا دينيا، ولكنه سرعان ما يتحوّل إلى طالب كالباقين، بل صار أنبغهم وأكثر فائدة لمصر أثناء إقامته بباريس وبعد عودته. 
 تراث ضخم ترك لنا الطهطاوي تراثًا ضخمًا منه: 1- تخليص الإبريز في تلخيص باريز أو (الديوان النفيس بإيوان باريس) ويتضمن الكتاب مشاهداته في رحلته وما انطبع في ذهنه أثناء إقامته بباريس. وفيها وصف أحوال فرنسا ونظام الحكم فيها وأخلاق أهلها وعاداتهم وعلومهم وفنونهم وآدابهم وعقائدهم وصنائعهم وأحوالهم المعيشية والسياسية والاجتماعية. وتعد هذه الرحلة أولى الرحلات المصرية إلى أوربا في تاريخ مصر الحديث. وقد طبعت ببولاق وسر لها محمد علي سرورًا كبيرًا وأمر بقراءتها في قصوره وتوزيعها على الدواوين والوجوه والأعيان وقراءتها في المدارس المصرية. 3- وأخذ وهو في فرنسا يعرب كتاب المسيو ملتبرون في الجغرافيا، فعرب الجزء الأول منه بعنوان (الجغرافية العمومية) ثم عرب في مصر جزءا آخر. 4- وله في الجغرافيا العمومية كتاب آخر اسمه (الكنز المختار في كشف الأراضي والبحار). 6- وله في الرياضيات والطبيعيات كتاب (مبادئ الهندسة) عرّبه لوجندر وطبع سنة 1843 وكتاب (تعريب المعلم فرادر) في المعادن النافعة لتدبير المعايش طبع سنة 1873. 
 8- وله في النحو كتاب (جمال الأجرومية) طبع سنة 1863. 12- وفي سنة 1869 ظهر كتابه (مناهج الألباب المصرية في مباهج الآداب العصرية) ويتضمن مباحث قيمة في التاريخ والجغرافيا والآداب والأخلاق والمواعظ والحكم.. 13- وظهر له سنة 1872 كتابه القيم (المرشد الأمين للبنات والبنين) وهو كتاب أخلاق وتربية للمتعلمين والمتعلمات. 
 وهو موضوع مقالنا... 
 لماذا نهاية الإيجاز؟ برغم كثرة الكتب التي تناولت السيرة النبوية الشريفة، فإن كتاب (نهاية الإيجاز...) يحتل مكانًا فريدًا بين هذه الكتب وتعود هذه المكانة إلى مجموعة من الأسباب المهمة. من أهمها: 
 أولًا: مؤلف هذا الكتاب رفاعة رافع الطهطاوي الذي أسلفنا ذكر مكانته في الفكر العربي الحديث. غير ما كتب المستشرقون عن السيرة النبوية. ثالثًا: يعد كتاب (نهاية الإيجاز) أول مؤلف عربي في السيرة النبوية يضع من بين أهدافه الرد على الصورة المشوّهة التي رسمها الكتّاب الغربيون الذين كتبوا عن الإسلام، فلقد قرأ الطهطاوي وهو في باريس ضمن ما قرأ مسرحية (محمد) للفيلسوف الفرنسي فولتير التي امتلأت بالهجوم على الإسلام وعلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم. خامسا: يعد الكتاب من أهم كتب الطهطاوي فقد كان آخر مؤلفاته وبالتالي فإنه يصور لنا ما وصل إليه أسلوب الطهطاوي في فن الكتابة. وفي هذا الكتاب وضع الطهطاوي الأساس للأسلوب الحديث في الكتابة بالعربية، وهو أساس قائم على توخي البساطة والسهولة والبعد عن التعقيد والتقعر والتحرر الكامل من قواعد الزينة اللفظية. آخر ما كتب الطهطاوي كتابه (نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز) وهو تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نشر تباعًا في مجلة روضة المدارس بالعدد 4 من السنة الثالثة والأعداد التالية من السنوات الثالثة والرابعة والخامسة. لقد قسم الطهطاوي الكتاب إلى عدة أبواب وجعل في كل باب عدة فصول. وضم هذا الباب عدة فصول، تناول الفصل الأول (في رسالته صلى الله عليه وسلم على رأس الأربعين إلى كل الناس بشيرا ونذيرا). والفصل الثاني (في الهجرتين إلى الحبشة)، والفصل الثالث (في هجرته صلى الله عليه وسلم إلى الطائف) قبل هجرته إلى المدينة المنورة، والفصل الرابع (في الإسراء به صلى الله عليه وسلم ليلا من المسجد الحرام وعروجه من المسجد الأقصى إلى السماوات العلا). أما الباب الثالث فقد خصصه الطهطاوي للحديث (في هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وما ترتب على ذلك من المظاهر الإسلامية والظواهر التعليمية وقسمه إلى عدة فصول خصص الفصل الأول للحديث (في الأسباب الباعثة على هذه الهجرة والتمهيد لها). والفصل الثاني (في سيرة مهاجر إلى المدينة مع صاحبه الصديق رضي الله عنه... وهو ابتداء التاريخ الإسلامي) والفصل الثالث (في ذكر الظواهر الحادثة بعد الهجرة إجمالا). أما الباب الرابع فقد خصصه الطهطاوي للحديث في تفاصيل الظواهر التي حدثت بعد هجرته عليه الصلاة والسلام إلى وفاته صلى الله عليه وسلم. تناول الفصل الأول ظواهر السنة الأولى من الهجرة وما فيها من الغزوات. والفصل الثاني تناول ظواهر السنة الثانية للهجرة وما فيها من الغزوات. وهكذا الفصول الثالث والرابع والخامس و.... إلى التاسع حيث قام علي فهمي رفاعة بعمل جدول لغزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كان والده رفاعة ينوي إعداده ولكن المنيّة عاجلته قبل أن يشرع فيه، أما الفصل العاشر فكان للحديث عن وفود العرب عليه صلى الله عليه وسلم وحجة الوداع. وفي الباب الخامس تناول الطهطاوي الحديث عن وفاته صلى الله عليه وسلم وذكر بعض أخلاقه وصفاته ومعجزاته وأزواجه وأعمامه وعماته وأخواله ومواليده وخدمه وحشمه وجاء هذا الباب في أربعة فصول. والباب السابع كان في الحديث عن العمالات المتعلقة بالأحكام الخاصة بالإمارة العامة على النواحي والقضاء وما يتعلق به من إشهاد الشهود وكتابة الشروط والعقود والمواريث والنفقات والقسام وناظر البناء للتحديد وذكر المحتسب والمنادي ومتولي حراسة المدينة والجاسوس لأهل المدينة والسجان ومقيمي الحدود وجاء في ثلاثة فصول. وفي الباب التاسع تناول الطهطاوي الحديث عن العمالات الجبائية. وجاء في ثلاثة فصول تحدث فيها عن الجزية وصاحب الأعشار والترجمان والعامل على الزكاة والصدقات وصاحب المساحة والأوقاف وصاحب المواريث والمستوفى والمشرف. وجاء الباب العاشر مخصصا في العمالات الاختزانية وتناول في فصوله الثلاثة صاحب المساحة والأوقاف وصاحب المواريث والمستوفى والمشرف. وجاء الباب العاشر مخصصا في العمالات الاختزانية وتناول في فصوله الثلاثة صاحب بيت المال وخازن الطعام والوزان والكيال والأوزان والأكيال الشرعية المستعملة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي ضرب السكة وفي اتخاذ الإبل والفتح ورسم الدواب وفي جمع الإمام مراعي للنعم الواردة من الزكاة. أما الباب الحادي عشر فقد تناول فيه الطهطاوي الحديث في عمالات مختلفة تناول الفصل الأول (في المنفق وفي الوكيل وفي الأمور المالية وفي إنزال الوفد في دار الضيافة وفي إنزال الوفد عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، والفصل الثاني (في المارستان والطب والرقية والفصد والمكان الذي اتخذ لإيواء الفقراء الذين لا يأوون على أهل ولا مال). محمد سيد بركة مجلة العربي مايو 2003، منشور على موقع المجلة على هذا الرابط: https://2u.pw/PyBhJaqd |